وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جبير أنه قال : كان البحر ساكناً لا ستحرك فلما كان ليلة ضربه موسى بالعصا صار يمد ويجزر ولا أظن لهذا صحة، والظاهر أن المد والجزر كانا قبل أن يخلق الله تعالى موسى عليه السلام ولا ينبغي لعاقل اعتقاد غيره، ومثل هذا عندي كثير من الأخبار السابقة، وإلا سلم الاقتصار على ما قص الله تعالى من أنه أوحى سبحانه إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق ﴿ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم ﴾ أي كالجبل المنيف الثابت في مقره، وظاهر الآية أن الطود مطلق الجبل، وقال في "الصحاح" الطود الجبل العظيم.
والمراد بالفرق قطعة من الماء ارتفعت فصار ما تحتها كالسرداب على ما ذكره بعض الأجلة، وحينئذ لا إشكال في قول من قال : إن الفروق اثنا عشرة والمسالك كذلك بعدة أسباط بني إسرائيل وقد سلك كل سبط منهم في مسلك منها، والمشهور أن الفرق قطعة انفصلت من الماء عما يقابلها وحينئذ لا يتأتى ذلك القول بل لا بد عليه على ماقيل من كون الفروق ثلاثة عشر حتى يحصل في خلالها اثنا عشر مسلكاً بعدد الأسباط، وقيل : إذا كانت الفروق اثني عشر فلا بد أن تكون المسالك ثلاثة عشر لأن الفرق الأول والثاني عشر لا بد أن يكون منفصلين عما يحاذيهما من البحر فيكون بين كل منهما وبين ما يحاذيه من البحر مسلك وإن لم يكن كسائر المسالك بين فرقين إذ لو اتصلا لم يميزا عنه ولم يتحقق حينئذ اثنا عشر فرقاً بل أقل، ولا بعد في أن يختار كون الفروق اثني عشر والمسالك ثلاثة عشر بجعل الفرق الأول والثاني عشر منفصلين عما يحاذيهما من البحر بين كل منهما وبينه مسلك، ويقال : إن كل سبط من الأسباط الإثني عشر سلك في مسلك وسلك في الثالث عشر من آمن بموسى عليه السلام من القبط انتهى.


الصفحة التالية
Icon