قالوا : على المكذِّبين خاصة ؛ لأن المصدِّقين برسول الله لا يحتاجون هذه التلاوة، وإنْ تُليَتْ عليهم فإنما التلاوة للتذكرة أو لعلم التاريخ. إذن : المراد هنا المكذِّبون المنكرون ليعلموا أن نهاية كل رسل الله في دعوتهم النصر والغلبة، وأن نهاية المكذبين المخالفين الهزيمة والاندحار.
فكأن القرآن يقول لهم : لا تغتروا بقوتكم، ولا بجاهكم، ولا تنخدعوا بسيادتكم على العرب، ومعلوم أن مكانة قريش بين العرب إنما أخذوها من خدمة بيت الله الحرام، وما أَمِنُوا في طرق تجارتهم إلاَّ بقداسة بيت الله وحُرْمته.
ولولا البيت ما كان لقريش كل هذه المكانة، بدليل قوله تعالى :﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشتآء والصيف ﴾ [ قريش : ١٢ ].
ولو انهدم البيت في قصة الفيل ما كان لقريش سيادة ولا سيطرة على الجزيرة العربية، وما دام أن الله تعالى فعل معهم هذا ﴿ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت * الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾ [ قريش : ٣٤ ].
ومعنى ﴿ نَبَأَ ﴾ [ الشعراء : ٦٩ ] أي : الخبر الهام الذي يجب أنْ يُقال، ويجب أنْ يُنصتَ له، وأنْ تُؤخَذ منه عِبْرة وعِظة، فلا يُقال ( نبأ ) للخبر العادي الذي لا يُؤبَهُ له.
ولو تتبعتَ كلمة ( نبأ ) في القرآن لوجدتها لا تُقَال إلا للأمر الهام، كما في قوله تعالى :﴿ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ النبإ العظيم ﴾ [ النبأ : ١٢ ].
وقوله تعالى في قصة سليمان عليه السلام والهدهد :
﴿ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴾ [ النمل : ٢٢ ].
إذن :﴿ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [ الشعراء : ٦٩ ] يعني : الخبر الهام عنه. وإبراهيم هو أبو الأنبياء الذي مدحه ربه مدحاً عظيماً في مواضع عدة من القرآن، فقال الحق سبحانه عنه :﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً ﴾ [ النحل : ١٢٠ ].


الصفحة التالية
Icon