ومنه قوله تعالى :﴿وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ [ الكهف : ٥٠ ] وتحقيق القول فيه ما تقدم في قوله :﴿إِنَّا رَسُولُ رَبّ العالمين﴾ [ الشعراء : ١٦ ].
السؤال الرابع : ما هذا الاستثناء ؟ جوابه أنه استثناء منقطع كأنه قال لكن رب العالمين.
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) ﴾
اعلم أنه تعالى لما حكى عنه أنه استثنى رب العالمين، حكى عنه أيضاً ما وصفه به مما يستحق العبادة لأجله، ثم حكى عنه ما سأله عنه، أما الأوصاف فأربعة : أولها : قوله :﴿الذى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾.
واعلم أنه سبحانه أثنى على نفسه بهذين الأمرين في قوله :﴿الذى خَلَقَ فسوى * والذى قَدَّرَ فهدى﴾ [ الأعلى : ٢، ٣ ] واعلم أن الخلق والهداية بهما يحصل جميع المنافع لكل من يصح الانتفاع عليه، فلنتكلم في الإنسان فنقول إنه مخلوق، فمنهم من قال هو من عالم الخلق والجسمانيات، ومن قال هو من عالم الأمر الروحانيات، وتركيب البدن الذي هو من عالم الخلق مقدم على إعطاء القلب الذي هو من عالم الأمر على ما أخبر عنه سبحانه في قوله :﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى﴾ [ ص : ٧٢ ] فالتسوية إشارة إلى تعديل المزاج وتركيب الأمشاج، ونفخ الروح إشارة إلى اللطيفة الربا نية النورانية التي هي من عالم الأمر، وأيضاً قال :﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة مّن طِينٍ﴾ [ المؤمنون : ١٢ ] ولما تمم مراتب تغيرات الأجسام قال :﴿ثم أنشأناه خلقاً آخر﴾ [ المؤمنون : ١٤ ] وذلك إشارة إلى الروح الذي هو من عالم الملائكة، ولا شك أن الهداية إنما تحصل من الروح، فقد ظهر بهذه الآيات أن الخلق مقدم على الهداية.


الصفحة التالية
Icon