ولما كان أصدق الصداقة ما كان من القريب قال :﴿حميم﴾ أي قريب، وأصله المصافي الذي يحرقه ما يحرقك، لأنا قاطعنا بذلك كل من له أمر في هذا اليوم ؛ وأفرد تعميماً للنفي وإشارة إلى قلته في حد ذاته أو عدمه.
ولما وقعوا في هذا الهلاك، وانتفى عنهم الخلاص، تسبب عنه تمنيهم المحال فقالوا :﴿فلو أن لنا كرة﴾ أي رجعة إلى الدنيا ﴿فنكون من المؤمنين﴾ أي الذين صار الإيمان لهم وصفاً لازماً، فأزلفت لهم الجنة.
ولما كان في هذه القصة أعظم زاجر عن الشرك، وآمر بالإيمان، نبه على ذلك بقوله :﴿إن في ذلك﴾ أي هذا الأمر العظيم الذي قصصته ن قول إبراهيم عليه السلام في إقامة البرهان على إبطال الأوثان، ونصب الدليل على أنه لا حق إلا الملك الجليل الديان، وترغيبه وترهيبه وإرشاده إلى التزود في أيام المهلة ﴿لآية﴾ أي عظيمة على بطلان الباطل وحقوق الحق ﴿وما﴾ أي والحال أنه ما ﴿كان أكثرهم﴾ أي الذين شهدوا منه هذا الأمر العظيم والذين سمعوه عنه ﴿مؤمنين﴾ أي بحيث صار الإيمان صفة لهم ثابتة، وفي ذلك أعظم تسلية للنبي ـ ﷺ ـ بأعظم آبائه عليهم الصلاة والسلام ﴿وإن ربك﴾ أي المحسن إليك بإرسالك وهداية الأمة بك ﴿لهو العزيز﴾ أي القادر على إيقاع النقمة بكل من خالفه حين يخالفه ﴿الرحيم﴾ أي الفاعل فعل الراحم في إمهاله العصاة مع إدرار النعم، ودفع النقم، وإرسال الرسل، ونصب الشرائع، لبيان ما يرضاه ليتبع، وما يسخطه ليتجنب، فلا يهلك إلا بعد إقامة الحجة بإيضاح المحجة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٣٧١ ـ ٣٧٣﴾