ولما كانت الجواهر متساوية في أنها مخلوقات الله، وإنما تتشرف بآثارها، فالآدمي إنما يشرف أو يرذل بحاله من قاله وفعاله، أشار إلى أنه يعتبر ما هم عليه الآن من الأحوال الرفيعة، والأوصاف البديعة، فلذلك ﴿قال﴾ نافياً لعلمه بما قالوه في صورة استفهام إنكاري :﴿وما﴾ أي وأيّ شيء ﴿علمي بما كانوا يعملون﴾ أي قبل أن يتبعوني، أي وما لي وللبحث عن ذلك، إنما لي ظاهرهم الآن وهو خير ظاهر، فهم الأشرفون وإن كانوا أفقر الناس وأخسّهم نسباً، فإن الغني غني الدين، والنسب نسب التقوى ؛ ثم أكد أنه لا يبحث عن بواطنهم بقوله :﴿إن﴾ أي ما ﴿حسابهم﴾ أي في الماضي والآتي ﴿إلا على ربي﴾ المحسن إليّ باتباعهم لي ليكون لي مثل أجرهم، المخفف عني أن يكلفني بحاسبهم وتعرف بواطنهم، لأنه المختص بضبط جميع الأعمال والحساب عليها ﴿لو تشعرون﴾ أي لو كان لكم نوع شعور لعلمتم ذلك فلم تقولوا ما قلتم مما هو دائر على أمور الدنيا فقط، ولا نظر له إلى يوم الحساب.
ولما أفهم قوله رد ما أفهمه قولهم من طردهم، صرح به في قوله :﴿وما﴾ أي ولست ﴿أنا بطارد المؤمنين﴾ أي الذين صار الإيمان لهم وصفاً راسخاً فلم يرتدوا عنه للطمع في إيمانكم ولا لغيره من اتباع شهواتكم ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿إن﴾ أي ما ﴿أنا إلا نذير﴾ أي محذر، لا وكيل مناقش على البواطن، ولا متعنت على الاتباع ﴿مبين﴾ أوضح ما أرسلت به فلا أدع فيه لبساً.
ولما أياسهم مما أرادوا من طرد أتباعه لما أوهموا من اتباعه لو طردهم خداعاً، أقبلوا على التهديد، فاستأنف سبحانه الإخبار عن ذلك بقوله :﴿قالوا لئن لم تنته﴾ ثم سموه باسمه جفاء وقلة أدب فقالوا :﴿يا نوح لتكونن من المرجومين﴾ أي المقتولين، ولا ينفعك أتباعك هؤلاء الضعفاء.