وأما قوله تعالى :﴿مّنْ أزواجكم﴾ فيصلح أن يكون تبييناً لما خلق وأن يكون للتبعيض، ويراد بما خلق العضو المباح منهن، وكأنهم كانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم، والعادي هو المتعدي في ظلمه، ومعناه أترتكبون هذه المعصية على عظمها بل أنتم قوم عادون في جميع المعاصي فهذا من جملة ذاك، أو بل أنتم قوم أحقاء بأن توصفوا بالعدوان حيث ارتكبتم مثل هذه الفاحشة، فقالوا له عليه السلام :﴿لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالوط لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين﴾ أي لتكونن من جملة من أخرجناه من بلدنا، ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على أسوإ الأحوال، فقال لهم لوط عليه السلام :﴿إِنّى لِعَمَلِكُمْ مّنَ القالين﴾ القلي البغض الشديد، كأنه بغض يقلي الفؤاد والكبد، وقوله :﴿مّنَ القالين﴾ أبلغ من أن يقول إني لعملكم قال، كما يقال فلان من العلماء فهو أبلغ من قولك فلان عالم، ويجوز أن يراد من الكاملين في قلاكم، ثم قال تعالى :﴿فنجيناه وَأَهْلَهُ﴾ والمراد : فنجيناه وأهله من عقوبة عملهم ﴿إِلاَّ عَجُوزاً فِى الغابرين﴾ فإن قيل :﴿فِى الغابرين﴾ صفة لها كأنه قيل إلا عجوزاً غابرة، ولم يكن الغبور صفتها وقت تنجيتهم جوابه : معناه إلا عجوزاً مقدراً غبورها، قيل إنها هلكت مع من خرج من القرية بما أمطر عليهم من الحجارة، قال القاضي عبد الجبار في "تفسيره" في قوله تعالى :﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مّنْ أزواجكم﴾ دلالة على بطلان الجبر من جهات أحدها : أنه لا يقال تذرون إلا مع القدرة على خلافه، ولذلك لا يقال للمرء لم تذر الصعود إلى السماء، كما يقال له لم تذر الدخول والخروج وثانيها : أنه قال :﴿مَا خَلَقَ لَكُمْ﴾ ولو كان خلق الفعل لله تعالى لكان الذي خلق لهم ما خلقه فيهم وأوجبه لا ما لم يفعلوه وثالثها : قوله تعالى :﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ فإن كان تعالى خلق فيهم ما كانوا يعملون فكيف ينسبون إلى أنهم تعدوا، وهل يقال


الصفحة التالية
Icon