ولما كان كأنه قيل : ما الذي تنعى فيه؟ قال : مبيناً أن داءهم حب المال، المفضي لهم إلى سوء الحال، ﴿أوفوا الكيل﴾ أي أتموه إتماماً لا شبهة فيه إذا كلتم كما توفونه إذا اكتلتم لأنفسكم.
ولما أمرهم بالإيفاء نهاهم عن النقص على وجه أعم فقال :﴿ولا تكونوا﴾ أي كوناً هو كالجبلة، ولعله إشارة إلى ما يعرض من نحو ذلك من الخواطر أو الهيئات التي يغلب الإنسان فيها الطبع ثم يرجع عنها رجوعاً يمحوها، ولذلك قال :﴿من المخسرين﴾ أي الذين يخسرون - أي ينقصون - أنفسهم أديانها بإخسار الناس دنياهم بنقص الكيل أو غيره من أنواع النقص من كل ما يوجب الغبن، فتكونوا مشهورين بذلك بين من يفعله.
ولما أمر بوفاء الكيل، أتبعه بمثل ذلك في الوزن، ولم يجمعهما لما للتفريق من التعريف بمزيد الاهتمام فقال :﴿وزنوا﴾ أي لأنفسكم وغيركم ﴿بالقسطاس﴾ أي الميزان الأقوم ؛ وأكد معناه بقوله :﴿المستقيم ﴾.
ولما أمر بالوفاء في الوزن، أتبعه نهياً عن تركه عاماً كما فعل في الكيل ليكون آكد فقال :﴿ولا تبخسوا﴾ أي تنقصوا ﴿الناس أشياءهم﴾ أي في كيل أو وزن أو غيرهما نقصاً يكون كالسبخة لا فائدة فيه.
ثم أتبع ذلك بما هو أعم منه فقال :﴿ولا تعثوا﴾ أي تتصرفوا ﴿في الأرض﴾ عن غير تأمل حال كونكم ﴿مفسدين﴾ أي في المال أو غيره، قاصدين بذلك الإفساد - كما تقدم بيانه في سورة هود عليه السلام.