وقيل : إنه المؤاخذة على العمد والخطأ من غير عفو ولا إبقاء.
قال ابن العربي : ويؤيد ما قال مالك قول الله تعالى عن موسى :﴿ فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بالذي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يا موسى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بالأمس إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأرض ﴾ [ القصص : ١٩ ] وذلك أن موسى عليه السلام لم يسل عليه سيفاً ولا طعنه برمح، وإنما وكزه وكانت منيّته في وكزته.
والبطش يكون باليد وأقله الوكز والدفع، ويليه السوط والعصا، ويليه الحديد، والكل مذموم إلا بحق.
والآية نزلت خبراً عمن تقدّم من الأمم، ووعظاً من الله عز وجل لنا في مجانبة ذلك الفعل الذي ذمهم به وأنكره عليهم.
قلت : وهذه الأوصاف المذمومة قد صارت في كثير من هذه الأمة، لا سيما بالديار المصرية منذ وليتها البحرية ؛ فيبطشون بالناس بالسوط والعصا في غير حق.
وقد أخبر ﷺ أن ذلك يكون.
كما في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ :" صِنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سِياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عارياتَ مميلاتٌ مائلاتٌ رؤوسهُنّ كأسْنِمة البُخْت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحَها وإنّ ريحها ليُوجَد من مسيرة كذا وكذا " وخرج أبو داود من حديث ابن عمر قال سمعت رسول الله ﷺ يقول :" إذا تبايعتم بالعِينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذلاّ لا ينزِعه حتى ترجعوا إلى دينكم " ﴿ جَبَّارِينَ ﴾ قتّالين.
والجبار القتال في غير حق.
وكذلك قوله تعالى :﴿ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأرض ﴾ [ القصص : ١٩ ] قاله الهروي.
وقيل : الجبار المتسلّط العاتي ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ﴾ [ ق : ٤٥ ] أي بمسلَّط.
وقال الشاعر :


الصفحة التالية
Icon