وحكى لنا محمد بن الوليد عن محمد بن يزيد قال :﴿ خُلُقُ الأَوَّلِينَ ﴾ مذهبهم وما جرى عليه أمرهم ؛ قال أبو جعفر : والقولان متقاربان، ومنه الحديث عن النبي ﷺ :" أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً " أي أحسنهم مذهباً وعادة وما يجري عليه الأمر في طاعة الله عز وجل، ولا يجوز أن يكون من كان حسن الخلق فاجراً فاضلاً، ولا أن يكون أكمل إيماناً من السيّىء الخلق الذي ليس بفاجر.
قال أبو جعفر : حكي لنا عن محمد بن يزيد أن معنى ﴿ خَلْقُ الأَوّلِينَ ﴾ تكذيبهم وتخرصهم غير أنه كان يميل إلى القراءة الأولى ؛ لأن فيها مدح آبائهم، وأكثر ما جاء القرآن في صفتهم مدحهم لآبائهم، وقولهم :﴿ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ ﴾ [ الزخرف : ٢٣ ].
وعن أبي قِلاَبَة : أنه قرأ ﴿ خُلْق ﴾ بضم الخاء وإسكان اللام تخفيف ﴿ خُلُقُ ﴾.
ورواها ابن جبير عن أصحاب نافع عن نافع.
وقد قيل : إن معنى ﴿ خُلُقُ الأَوَّلِينَ ﴾ دين الأولين.
ومنه قوله تعالى :﴿ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله ﴾ [ النساء : ١١٩ ] أي دين الله.
و"خُلُقُ الأَوّلِينَ" عادة الأولين : حياة ثم موت ولا بعث.
وقيل : ما هذا الذي أنكرت علينا من البنيان والبطش إلا عادة من قبلنا فنحن نقتدي بهم ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ على ما نفعل.
وقيل ؛ المعنى خلق أجسام الأوّلين ؛ أي ما خلقنا إلا كخلق الأوّلين الذين خلقوا قبلنا وماتوا، ولم ينزل بهم شيء مما تحذرنا به من العذاب.
﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ ﴾ أي بريح صرصر عاتية على ما يأتي في "الحاقة".
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ قال بعضهم : أسلم معه ثلثمائة ألف ومؤون وهلك باقيهم.
﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم ﴾. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٣ صـ ﴾