ولما كان إقامة الدليل على قوتهم بمثل ذلك قليل الجدوى عند التأمل، قال :﴿تعبثون﴾ والعاقل ينبغي له أن يصون أوقاته النفيسة عن العبث الذي لا يكون سبب نجاته، وكيف يليق ذلك بمن الموت من ورائه.
ولما كان من يموت لا ينبغي له إنكار الموت بفعل ولا قول قال :﴿وتتخذون مصانع﴾ أي أشياء بأخذ الماء، أو قصوراً مشيدة وحصوناً تصنعونها، هي في إحكامها بحيث تأكل الدهر قوة وثباتاً، فلا يبنيها إلا من حاله حال الراجي للخلود، ولذلك قال :﴿لعلكم تخلدون﴾ وهو معنى ما في البخاري عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ من تفسيرها بكأنكم.
ولما بين أن عملهم عمل من لا يخاف الموت، أتبعه ما يدل على أنهم لا يظنون الجزاء فقال :﴿وإذا بطشتم﴾ أي بأحد، أخذتموه أخذ سطوة في عقوبة ﴿بطشتم جبارين﴾ أي غير مبالين بشيء من قتل أو غيره ؛ قال البغوي : والجبار الذي يضرب ويقتل على الغضب.
ولما خوفهم لهذا الإنكار عقاب الجبار، تسبب عنه أن قال :﴿فاتقوا الله﴾ أي الذي له جميع صفات الجلال والإكرام ﴿وأطيعون ﴾.
ولما كان ادكار الإحسان موجباً للإذعان، قال مرغباً في الزيادة ومرهباً من الحرمان :﴿واتقوا الذي أمدكم﴾ أي جعل لكم مدداً، وهو إتباع الشيء بما يقويه على الانتظام ﴿بما تعلمون﴾ أي ليس فيه نوع خفاء حتى تعذروا في الغفلة عن تقييده بالشكر.
ولما أجمل، فصل ليكون أكمل، فقال :﴿أمدكم بأنعام﴾ أي تعينكم على الأعمال وتأكلون منها وتبيعون.
ولما قدم ما يقيم الأود، أتبعه قوله :﴿وبنين﴾ أي يعينونكم على ما تريدون عند العجز.
ثم أتبعه ما يحصل كمال العيش فقال :﴿وجنات﴾ أي بساتين ملتفة الأشجار بحيث تستر داخلها، وأشار إلى دوام الريّ بقوله :﴿وعيون ﴾.


الصفحة التالية
Icon