ولما كان عدم الانتفاء لا يلزم منهم عدم القدرة قال :﴿وما يستطيعون﴾ أي النزول به وإن اشتدت معالجتهم على تقدير أن يكون لهم قابلية لذلك ؛ ثم علل هذا بقوله :﴿إنهم عن السمع﴾ أي الكامل الحق، من الملأ الأعلى ﴿لمعزولون﴾ أي بما حفظت به السماء من الشهب وبما باينوا به الملائكة في الحقيقة لأنهم خير صرف، ونور خالص، وهؤلاء شر بحت وظلمة محضة، فلا يسمعون إلا خطفاً، فيصير - بما يسبق إلى أفهامهم، ويتصور من باب الخيال في أوهامهم - خلطاً لا حقيقة لأكثره، فلا وثوق بأغلبه، ولا يبعد أن يكون ذلك عاماً حتى يشمل السماع من المؤمنين لما شاركوا به الملائكة من النور والخير، انظر ما ورد في آية الكرسي من أنها لا تقرأ في بيت فيقربه شيطان، وفي رواية : إلا خرج منه الشيطان، وورد نحوه في الآيتين من آخر سورة البقرة، وكذا ما كان من أشكال ذلك، وأعظم منه قوله عليه الصلاة والسلام لعمر ـ رضى الله عنه ـ :" إنه يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك " وترك تعليل الانبغاء لظهوره.