اعلم أنه سبحانه لما بالغ في تسلية رسوله أولاً، ثم أقام الحجة على نبوته، ثانياً ثم أورد سؤال المنكرين، وأجاب عنه ثالثاً، أمره بعد ذلك بما يتعلق بباب التبليغ والرسالة وهو ههنا أمور ثلاثة : الأول : قوله :﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقربين﴾ وذلك لأنه تعالى بدأ بالرسول فتوعده إن دعا مع الله إلهاً آخر، ثم أمره بدعوة الأقرب فالأقرب، وذلك لأنه إذا تشدد على نفسه أولاً، ثم بالأقرب فالأقرب ثانياً، لم يكن لأحد فيه طعن ألبتة وكان قوله أنفع وكلامه أنجع، وروي " أنه لما نزلت هذه الآية صعد الصفا فنادى الأقرب فالأقرب وقال : يا بني عبد المطلب، يا بني هاشم، يا بني عبد مناف، يا عباس عم محمد، يا صفية عمة محمد ؛ إني لا أملك لكم من الله شيئاً، سلوني من المال ما شئتم " وروي " أنه جمع بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلاً على رجل شاة وقعب من لبن، وكان الرجل منهم يأكل الجذعة ويشرب العس، فأكلوا وشربوا، ثم قال يا بني عبد المطلب لو أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلاً، أكنتم مصدقي ؟ قالوا نعم فقال : إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد "
الثاني : قوله :﴿واخفض جَنَاحَكَ﴾ واعلم أن الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه فجعل خفض جناحه عند الانحطاط مثلاً في التواضع ولين الجانب، فإن قيل المتبعون للرسول هم المؤمنون وبالعكس فلم قال :﴿لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين﴾ ؟ جوابه : لا نسلم أن المتبعين للرسول هم المؤمنون فإن كثيراً منهم كانوا يتبعونه للقرابة والنسب لا للدين.