ويلزم على ثبوته إشكال ؛ وهو أنه كان يلزم عليه ألاّ ينذر إلاّ من آمن من عشيرته ؛ فإن المؤمنين هم الذين يوصفون بالإخلاص في دين الإسلام وفي حبّ النبي ﷺ لا المشركون ؛ لأنهم ليسوا على شيء من ذلك، والنبي ﷺ دعا عشيرته كلهم مؤمنهم وكافرهم، وأنذر جميعهم ومن معهم ومن يأتي بعدهم ﷺ ؛ فلم يثبت ذلك نقلاً ولا معنى.
وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال : لما نزلت هذه الآية ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين ﴾ دعا رسول الله ﷺ قريشاً فاجتمعوا فعمّ وخصّ فقال :" يا بني كعب بن لؤيّ أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرّة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئاً غير أن لكم رحِماً سأَبُلُّها ببِلالها ".
الثانية : في هذا الحديث والآية دليل على أن القرب في الأنساب لا ينفع مع البعد في الأسباب، ودليل على جواز صلة المؤمن الكافر وإرشاده ونصيحته ؛ لقوله :" إن لكم رحِماً سَأَبُلُّها ببِلالها " وقوله عز وجل :﴿ لاَّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدين ﴾ [ الممتحنة : ٨ ] الآية، على ما يأتي بيانه هناك.
قوله تعالى :﴿ واخفض جَنَاحَكَ لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين ﴾ تقدم في سورة "الحِجرِ" و"سبحان" يقال : خفض جناحه إذا لان.
﴿ فَإِنْ عَصَوْكَ ﴾ أي خالفوا أمرك.
﴿ فَقُلْ إِنِّي برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ أي بريء من معصيتكم إياي ؛ لأن عصيانهم إياه عصيان لله عز وجل، لأنه عليه السلام لا يأمر إلا بما يرضاه، ومن تبرأ منه فقد تبرأ الله منه. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon