أما المقدمة الأولى : ففيها النزاع فإن طائفة من القدماء ذهبوا إلى أن معدن العقل هو الدماغ والذي يدل على قولنا وجوه : الأول : قوله تعالى :﴿أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِى الأرض فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ [ الحج : ٤٦ ] وقوله :﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ [ الأعراف : ١٧٩ ] وقوله :﴿إِنَّ فِى ذلك لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ [ ق : ٣٧ ] أي عقل، أطلق عليه اسم القلب لما أنه معدنه الثاني : أنه تعالى أضاف أضداد العلم إلى القلب، وقال :﴿فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ﴾ [ البقرة : ١٠ ]، ﴿خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ﴾ [ البقرة : ٧ ] وقولهم :﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ [ النساء : ١٥٥ ]، ﴿يَحْذَرُ المنافقين أن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم﴾ [ التوبة : ٦٤ ]، ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ﴾ [ الفتح : ١١ ]، ﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ﴾ [ المطففين : ١٤ ]، ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [ محمد : ٢٤ ]، ﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فِى الصدور﴾ [ الحج : ٤٦ ] فدلت هذه الآيات على أن موضع الجهل والغفلة هو القلب فوجب أن يكون موضع العقل والفهم أيضاً هو القلب الثالث : وهو أنا إذا جربنا أنفسنا وجدنا علومنا حاصلة في ناحية القلب، ولذلك فإن الواحد منا إذا أمعن في الفكر وأكثر منه أحس من قلبه ضيقاً وضجراً حتى كأنه يتألم بذلك، وكل ذلك يدل على أن موضع العقل هو القلب، وإذا ثبت ذلك وجب أن يكون المكلف هو القلب لأن التكليف مشروط بالعقل والفهم الرابع : وهو أن القلب أول الأعضاء تكوناً، وآخرها موتاً، وقد ثبت ذلك بالتشريح ولأنه متمكن في الصدر الذي هو أوسط الجسد، ومن شأن الملوك المحتاجين إلى الخدم أن يكونوا في وسط المملكة لتكتنفهم