وأما محمد ﷺ فإنه بدأ بنفسه حيث قال الله تعالى له :﴿فَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها ءاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ المعذبين﴾ [ الشعراء : ٢١٣ ] ثم بالأقرب فالأقرب حيث قال الله تعالى له :﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين﴾ [ الشعراء : ٢١٤ ] وكل ذلك على خلاف طريقة الشعراء، فقد ظهر بهذا الذي بيناه أن حال محمد ﷺ ما كان يشبه حال الشعراء، ثم إن الله تعالى لما وصف الشعراء بهذه الأوصاف الذميمة بياناً لهذا الفرق استثنى عنهم الموصوفين بأمور أربعة : أحدها : الإيمان وهو قوله :﴿إِلاَّ الذين ءامَنُواْ﴾، وثانيها : العمل الصالح وهو قوله :﴿وَعَمِلُواْ الصالحات﴾، وثالثها : أن يكون شعرهم في التوحيد والنبوة ودعوة الخلق إلى الحق، وهو قوله :﴿وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً﴾، ورابعها : أن لا يذكروا هجو أحد إلا على سبيل الانتصار ممن يهجوهم، وهو قوله :﴿وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ﴾ قال الله تعالى :﴿لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسوء مِنَ القول إِلاَّ مَن ظُلِمَ﴾ [ النساء : ١٤٨ ] ثم إن الشرط فيه ترك الاعتداء لقوله تعالى :﴿فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ﴾ [ البقرة : ١٩٤ ] وقيل المراد بهذا الاستثناء عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن مالك وكعب بن زهير لأنهم كانوا يهجون قريشاً، وعن كعب بن مالك :" أن رسول الله ﷺ قال له : أهجهم، فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من رشق النبل "
وكان يقول لحسان بن ثابت " قل وروح القدس معك "