ولما كان ما سبق ذماً للشعراء، واستثنى منهم من اتصف بالإيمان والعمل الصالح والإكثار من ذكر الله، وكان ذلك أغلب عليهم من الشعر ؛ وإذا نظموا شعراً كان في توحيد الله والثناء عليه وعلى رسوله ( ﷺ ) وصحبه، والموعظة والزهد والآداب الحسنة وتسهيل علم، وكل ما يسوغ القول فيه شرعاً فلا يتلطخون في قوله بذنب ولا منقصة.
والشعر باب من الكلام، حسنه حسن، وقبيحه قبيح.
وقال رجل علوي لعمرو بن عبيد : إن صدري ليجيش بالشعر، فقال : ما يمنعك منه فيما لا بأس به.
وقيل : المراد بالمستثنين : حسان، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وكعب بن زهير، ومن كان ينافخ عن رسول الله ( ﷺ )، وقال عليه السلام لكعب بن مالك :
" اهجهم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل " وقال لحسان :" قل وروح القدس معك "، وهذا معنى قوله :﴿ وانتصروا ﴾ : أي بالقول فيمن ظلمهم.
وقال عطاء بن يسار وغيره : لما ذم الشعراء بقوله :﴿ والشعراء ﴾ الآية، شق ذلك على حسان وابن رواحة وكعب بن مالك، وذكروا ذلك للرسول عليه الصلاة والسلام، فنزلت آية الاستثناء بالمدينة، وخص ابن زيد قوله :﴿ وذكروا الله كثيراً ﴾، فقال : أي في شعرهم.
وقال ابن عباس : صار خلقاً لهم وعادة، كما قال لبيد، حين طلب منه شعرة : إن الله أبدلني بالشعر القرآن خيراً منه.
ولما ذكر :﴿ وانتصروا من بعد ما ظلموا ﴾، توعد الظالمين هذا التوعد العظيم الهائل الصادع للأكباد وأبهم في قوله :﴿ أي منقلب ينقلبون ﴾.
ولما عهد أبو بكر لعمر رضي الله عنهما، تلا عليه :﴿ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ﴾، وكان السلف الصالح يتواعظون بها.
والمفهوم من الشريعة أن الذين ظلموا هم الكفار.
وقال الزمخشري : وتفسير الظلم بالكفر تعليل، وكان ذكر قبل أن الذين ظلموا مطلق، وهذا منه على طريق الاعتزال.


الصفحة التالية
Icon