وقال أبو السعود :
﴿ وَتَوكَّلْ عَلَى العزيز الرحيم ﴾
الذي يقدرُ على قهرِ أعدائِه ونصرِ أوليائِه يكفِك شرَّ من يصيبك منهُم ومن غيرهم وقرىء فتوكل على أنَّه بدلٌ من جواب الشَّرطِ.
﴿ الذى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ أي إلى التَّهجد ﴿ وَتَقَلُّبَكَ فِى الساجدين ﴾ وتردُّدك في تصفُّحِ أحوالِ المتهجديَن كما ( روي أنه لما نسخ فرضُ قيام اللَّيلِ طاف عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ تلك الليلةَ ببيوت أصحابِه لينظرَ ما يصنعون حرصاً على كثرةِ طاعتِهم فوجدها كبيوتِ الزَّنابيرِ لمَا سمع منها من دندنِتهم بذكر الله تعالى والتِّلاوةِ ) أو تصرّفَك فيما بين المصلِّين بالقيامِ والرُّكوعِ والسُّجودِ والقُعودِ إذا أممتهم. وإنَّما وصفَ الله تعالى ذاتَه بعلمِه بحالِه عليه الصلاة والسلام التي بها يستأهلُ ولايتَه بعد أنْ عبَّر عنه بما يُنبىء عن قهرِ أعدائِه ونصرِ أوليائِه من وصفي العزيزِ الرَّحيمِ تحقيقاً للتَّوكلِ وتوطيناً لقلبه عليه.
﴿ إِنَّهُ هُوَ السميع ﴾ لما تقولُ :﴿ العليم ﴾ بمَا تنويِه وتعمله.
﴿ هَلْ أُنَبّئُكُمْ على مَن تَنَزَّلُ الشياطين ﴾ أي تتنزلُ بحذف إحدى التَّاءينِ وهو استئناف مسوق لبيان استحالةِ تنزُّلِ الشيَّاطينِ على رسول الله ﷺ بعد بيانِ امتناع تنزُّلهم بالقرآنِ. ودخولُ حرفِ الجرِّ على مَن الاستفهاميةِ لما أنَّها ليستْ موضوعةً للاستفهامِ بل الأصلُ أمن فحذف حرفُ الاستفهامِ واستمر الاستعمالُ على حذفِه كما حُذف من هَلْ والأصل أهَلْ.
وقوله تعالى :﴿ تَنَزَّلُ على كُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾ قصرٌ لتنزُّلهم على كل من اتَّصف بالإفكِ الكثيرِ والإثمِ الكبيرِ من الكهنةِ والمتنبّئة وتخصيصٌ له بهم بحيثُ لا يتخطَّاهم إلى غيرِهم وحيثُ كانت ساحةُ رسول الله ﷺ منزَّهةً عن أنْ يحومَ حولَها شائبةُ شيءٍ من تلك الأوصافِ اتَّضح استحالةُ تنزلهم عليه عليه الصَّلاة والسَّلام.


الصفحة التالية
Icon