استئنافٌ مسوقٌ لإبطال ما قالُوا في حقِّ القُرآنِ العظيمِ منْ أنَّه من قبيلِ الشِّعرِ، وأنَّ رسولَ الله ﷺ من الشعراء ببيان حال الشعراء المنافية لحاله عليه الصلاة والسلام بعد إبطالِ ما قالُوا إنَّه من قبيلِ ما يلقي الشَّياطينُ على الكهنةِ من الأباطيلِ بما مرَّ من بيانِ أحوالِهم المضادة لأحوالِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ والمعنى أنَّ الشُّعراءَ يتَّبعُهم أي يُجاريهم ويسلكُ مسلكَهم ويكونُ من جُملتهم الغاوون الضَّالُّون عن السَّنَنِ الحائرون فيما يأتُون وما يَذَرُون لا يستمرُّون على وَتيرةٍ واحدةٍ في الأفعالِ والأقوالِ والأحوالِ لا غيرُهم من أهلِ الرُّشدِ المهتدينَ إلى طريقِ الحقِّ الثَّابتينِ عليهِ.
وقولُه تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴾
استشهادٌ على أنَّ الشُّعراء إنَّما يتبعُهم الغَاوُون وتقريرٌ له والخطابُ لكلِّ من تتأتَّي منه الرُّؤيةُ للقصدِ إلى أنَّ حالَهم من الجَلاءِ والظُّهورِ بحيثُ لا تختصُّ برؤيةِ راءٍ دوُنَ راءٍ، أي ألم تَر أنَّ الشُّعراءَ في كلِّ وادٍ من أوديةِ القيلِ والقالِ وفي كلِّ شِعبٍ من شِعابِ الوهمِ والخيالِ وفي كلِّ مسَلكٍ من مسالك الغَيِّ والضَّلالِ يهيمونَ على وجوهِهم لا يهتدون إلى سبيلٍ مُعيَّنٍ من السُّبلِ بل يتحيرَّون في فيافي الغَوايةِ والسَّفاهةِ ويتيهُون في تيه المجُون والوقاحِة دينُهم تمزيقُ الأعراضِ المحميَّةِ والقَدحُ في الأنسابِ الطَّاهرةِ السَّنيَّةِ والنَّسيبُ بالحرامِ والغَزلُ والإبتهارُ والتَّرددُ بين طَرَفَيْ الإفراطِ والتَّفريطِ في المدحِ والهجاءِ.


الصفحة التالية
Icon