﴿ إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ ﴾ استثناءٌ للشُّعراء المؤمنينَ الصَّالحينَ الذينُ يكثرون ذكرَ الله عزَّ وجلَّ ويكونُ أكثرُ أشعارهِم في التَّوحيدِ والثَّناءِ على الله تعالى والحثِّ على طاعتِه والحكمةِ والموعظةِ والزُّهُدِ في الدُّنيا والتَّرغيبِ عن الركونِ إليها والزَّجرِ عن الاغترارِ بزخارفِها والافتتانِ بملاذِّها القلبيةِ ولو وقع منهم في بعضِ الأوقات هجوٌ وقع ذلك منهم بطريقِ الانتصارِ ممَّن هجاهُم وقيل : المرادُ بالمستثنَينَ عبدُ اللَّه بنُ رَوَاحةَ، وحسَّانُ بنُ ثابتٍ، وكعبُ بنُ مالكٍ، وكعبُ بنُ زُهيرِ بنِ أبي سُلْمى، والذين كانُوا يُنافحون عن رسولِ الله ﷺ ويكافحون هُجاةَ قُريشٍ.
وعن كعبِ بنِ مالكٍ رضي الله تعالى عنْهُ أنَّ رسوَل الله ﷺ قال له :" اهجُهم، فوالذي نفسِي بيدِه لهُو أشدُّ عليهم من النَّبلِ " وكان يقولُ لحسَّانَ :" قُل ورُوحُ القُدُسِ مَعَك " ﴿ وَسَيَعْلَمْ الذين ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ تهديدٌ شديدٌ ووعيدٌ أكيدٌ لما في سيعلمُ من تهويلٍ متعلَّقةِ وفي الذين ظلموا من الإطلاقِ والتعميم وفي أيَّ منقلبٍ ينقلبون من الإبهامِ والتهويلِ وقد قاله أبُو بكرٍ لعمرَ رضي الله عنهما حينَ عَهِدَ إليه. وقُرىء أي مُنفلتٍ ينفلتونَ من الانفلاتِ بمعنى النجاةِ والمعنى أنَّ الظَّالمين يطمعُون أنْ ينفلتُوا من عذابِ الله تعالى وسيعلمُون أنْ ليس لهم وجهٌ من وجوهِ الانفلاتِ. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon