وهي على تقدير كون الضمير للشياطين، والمعنى ما سمعت أولاً قيل : تحتمل أن تكون استئنافاً مبيناً للغرض من التنزل مبنياً على السؤال عنه كأنه قيل لم تنزل عليهم؟ فقيل : يلقون إليهم ما سمعوه، وأن تكون حالا منتظرة من ضمير الشياطين أي تنزل على كل أفاك أثيم ملقين ما يسمعونه من الملأ الأعلى إليهم ؛ وعلى ذلك التقدير والمعنى ما سمعت ثانياً قيل : لا يجوز أن تكون استئنافاً نظير ما ذكر آنفاً ولا أن تكون حالاً أيضاً لأن القاء السماع بمعنى الانصات مقدم على التنزل المذكور فكيف يكون غرضاً منه أو حالاً مقارنة أو منتظرة ويتعين كونها استئنافاً للأخبار بحالهم.
وتعقب بأنه غير سديد لأن ذكر حالهم السابقة على تنزلهم المذكور قبله غير خليق بجزالة التنزيل، ومن هنا قيل : أن جعل الضمير للشياطين وحمل إلقاء السمع على انصاتهم وتسمعهم إلى الملأ الأعلى مما لا سبيل إليه وفيه نظر، وجملة ﴿ هُمْ كَذَّبُونِ ﴾ استئنافية أو تحتمل الاستئنافية والحالية، هذا واعلم أن ههنا اشكالاً وارداً على بعض الاحتمالات في الآية لأنها عليه تفيد أن الشياطين يسمعون من الملائكة عليهم السلام ما يسمعونه ويلقونه إلى الأفاكين : وقد تقدم ما يدل على منعهم عن السمع أعني قوله تعالى :
﴿ إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ ﴾ [ الشعراء : ٢١٢ ].
وأجيب بأن المراد بالسمع فيما تقدم السمع المعتد به وفيما ههنا السمع في الجملة ويراد به الخطفة المذكورة في قوله سبحانه :﴿ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة ﴾ [ الصفات : ١٠ ] والكلمة المذكورة في خبر الصحيحين.
وابن مردويه السابق آنفا.
واعترض بأن من خطف لا يبقى حياً إلى أن يوصل ما خطفه إلى وليه لظاهر قوله تعالى :﴿ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾ [ الصافات : ٠١ ] فإن ظاهره أنه يهلك بالشهاب الذي لحقه.
وأجيب بأن نفي بقائه حياً غير مسلم.