وابن المنذر عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي ﷺ قال :" الملائكة تحدث في العنان والعنان الغمام بالأمر في الأرض فيسمع الشيطان الكلمة فيقرها في أذن الكاهن كما يقر القارورة فيزيدون معها مائة كذبة " ولا يخفى أنه ليس في الخبر تعرض للسمع من الملائكة عليهم السلام في السماء بالمعنى المعروف لا نفياً ولا إثباتاً، وقد يختارالقول بأن الشياطين إنما منعوا بعد البعثة عن سمع ما يعتد به من علم الغيب من ملائكة السماء أو العنان ومن خطف خطفة يعتد بها من ذلك اتبعه الشهاب وأهلكه ولم يدعه يوصلها بوجه من الوجوه إلى الكهنة، وأما سمع ما لا يعتقد به فقد يقع لهم ويوصلونه إلى الكهنة فيخلطون به من الذكب ما يخلطون، فيحث حكم عليهم بالعزل عن السمع أريد بالسمع السمع الكامل المعتد به وحيث حكم عليهم بإلقاء السمع أريد بالسمع السمع في الجملة وأدنى ما يصدق عليه أنه سمع، والظاهر أن ما حصل لابن الصياد كان من هذا السمع ولا يكاد يعدل عن ذلك، ويقال : إنه كان من الضرب الثاني للكهانة إلا إن ثبت أحد الشقوق الثلاثة وفي ثبوت ذلك كلام، نعم قوله ﷺ "خبأت" ظاهر في أن هناك ما يخبأ في كف أو كم أو نحوهما والآية ما لم تكتب لا تكون كذلك، ولهذا احتاج القائلون بأنه ﷺ إنما أضمر له الآية في قلبه إلى تأويل خبأت بأضمرت.
ويمكن أن يقال على بعد : إن الشياطين قد منعوا بعد البعثة عن السمع مطلقاً بالشهب المحرقة لهم، وارجاع ضمير ﴿ يُلْقُون ﴾ إلى الشياطين ضعيف لأن المقام في بيان من يتنزلون عليه لا بيان حالهم أو إلقاء سمعهم بمعنى إصغائهم إلى الملأ الأعلى و﴿ أَكْثَرُهُمْ ﴾ بمعنى كلهم والتعبير به للإشارة إلى أن الأكثرية المذكورة كافية في المقصود.


الصفحة التالية
Icon