ونظير هذه الآية الآية ٨٤ من سورة المؤمنين في ج ٢، "قُلْ" لهم يا سيد الرسل "سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ" ٦٩ من أمثالكم وانظروا أطلال ديارهم واسمعوا بقايا أخبارهم تنبئكم عن فظاعة ما حل بهم بسبب تكذيبهم رسلهم.
ثم التفت إلى حبيبه فقال "وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ" إذا حلّ بهم عذابي الذي لا دافع له "وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ" وحرج في صدرك مما تسمعه من التكذيب وتراه من الإعراض "مِمَّا يَمْكُرُونَ" ٧٠ ولا تهتم لما يكيدونه لك، فإني حافظك منهم ومن يعصمه اللّه لا يصل إليه مكر الخلق.
وقرأ ابن كثير بكسر ضاد ضيق خلافا لسائر القراء، نزلت هذه الآية في المستهزئين الذين اقتسموا عقاب مكة، وأوقفوا على أبواب طرقها رجالا يقولون للداخلين والخارجين أن عندنا رجلا منا يدعى محمدا جاء بدين مخالف لدين آبائنا، وهو رجل ساحر فلا تصدقوه.
راجع الآية ٩٤ من سورة الحجر في ج ٢ والآية ٨٥ من الأعراف المارة
"وَيَقُولُونَ" هؤلاء الماكرون "مَتى هذَا الْوَعْدُ" الذي توعدنا به من إنزال العذاب "إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ٧١ أنت وأصحابك وتهددنا به ليل نهار "قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ" دنا وقرب، لأن من أردفته خلفك فقد قربته منك أو حضر "لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ" ٧٢ به، لأن تغاليكم بالكفر وتكالبكم على عبادة الأوثان يستدعيان نزول العذاب بكم "وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ" ومنهم أهل مكة إذ لم يعجل عقوبتهم كرامة لرسولهم، ولأن العذاب إذا حل عمّ وان في علمه من يؤمن منهم كثير، لذلك أمهلهم بفضله وكرمه "وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ" من أهل مكة شأن غيرهم لأن الأكثر دائما هو الضال والقليل المهتدي.
مطلب اختلاف أهل الكتابين والقليل هم الشاكرون :