اعلم أيها القارئ أن المفسرين أجمعوا على أن هذه في سير الجبال عند خراب الكون في النفخة الأولى، لأن الآية في بحث القيامة، كما أن الآية قبلها، والآية بعدها في بحث القيامة، الا أن القيامة تكون لخراب الكون، وإذا أنعمنا النظر في هذه الآية وأجلنا الفكر فيها وهي واقعة بين آيتين دالتين على القيامة بلا شبهة، نرى أن ليس في معناها ما يدل على الخراب كما هو الحال في الآيات الدالة على القيامة مثل سورة التكوير والانفطار وغيرهما، والآية ٢٤ من سورة يوسف والآية ٤٧ من سورة الكهف في ج ٢، لأن كلمة الإتقان فيها تؤذن للعمار لا للخراب من إفساد أحوال الكائنات وإخلال نظامها وكلمة صنع تفيد إجادة العمل وإحسان الفعل لا تشتيته وتبديده والصنع من خصائص الإنسان ولا ينسب للحيوان الا شذودا ولفظ أتقن يفيد الإحكام والمتانة والرصانة فلا يؤول بالخراب، وليس الخراب في معناه، وهذان الفعلان أي مصدر صنع الذي فعله صنع وفعل اتقن، فيها تشيران إلى التهويل من أمر الجبال إلى الذي مصدره الإتقان، وتنبه على أن سيرها من الأفاعيل العجيبة وتؤذن بأنها من بدائع صنع اللّه المبنية على الحكمة التي لأجلها رتبت مقدمات الخلق، ومبادئ الإبداع على وجه متين ونهج رصين وهذا كله من شأن الدنيا لدلالته على العمار كما ذكرنا، والقصد من تسييرها يوم القيامة سقوطها التسوى بالأرض قال تعالى :(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) الآية ١٠٧ من سورة طه المارة، وقال تعالى :(وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) الآية ٦ من القارعة وقال تعالى :(وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) الآية ١١ من سورة الحاقة في ج ٢، والآيات الدالة على خراب الكون كثيرة في القرآن، ويكون يوم تبدل الأرض غير الأرض راجع الآية ٤٨ من سورة ابراهيم في ج ٢ أيضا، وهذه الآية واللّه أعلم لا تدل على