ثم اعلم هداك اللّه أن لا مجال للقول هنا بأن السمع من الشجرة أو من جهة النار يدل على حدوث المسموع وهو كلام اللّه تعالى، لأن اللّه منزّه عن الجهة والمكان، وكذلك كلامه، لأن سماع موسى كلامه من إحدى الجهتين المذكورتين يرجع إلى موسى لا إلى اللّه، وان اللّه تعالى خلق لموسى علما ضروريا علم به أن الذي يسمعه هو كلام اللّه القديم الأزلي من غير صفة ولا صوت ولا جهة، فقد سمعه وحده من الجهات الست، وصارت جميع جوارحه كسمعه، ولو فرض أن هناك أحدا معه لما سمع شيئا البتة، وهكذا كان محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم حينما ينزل عليه الوحي، يعلمه وحده دون الحاضرين معه، راجع الآية ١٩٥ من سورة الشعراء المارة،
وسماع كلام اللّه في الآخرة يكون على هذه الصفة، لأن الكامل الواصل يكون له في الدنيا حكم الآخرة، وقيل في هذا المعنى :
إذا ذكرت ليلى فكلي مسامع وإن ظهرت ليلى فكلي أعين
أي أنه يرى ويسمع بكل جوارحه وهي مبالغة عن شدّة تلذذه بما يسمعه ويراه منها لتوغله في محبتها، ولأن حبّها تداخل فيه وجرى في عروقه مجرى الدم منه.


الصفحة التالية
Icon