وعلي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما ﴿ مُبْصِرَةً ﴾ بفتح الميم والصاد على وزن مسبغة، وأصل هذه الصيغة أن تصاغ في الأكثر لمكان كثر فيه مبدأ الاشتقاق فلا يقال : مسبعة مثلاً إلا لمكان يكثر فيه السباع لا لما فيه سبع واحد ثم تجوز بها عما هو سبب لكثرة الشيء وغلبته كقولهم : الولد مجبنة ومبخلة أي سبب لكثرة جبن الوالد وكثرة بخله وهو المراد هنا أي سبباً لكثرة تبصر الناظرين فيها، وقال أبو حيان : هو مصدر أقيم مقام الاسم وانتصب على الحال أيضاً ﴿ قَالُواْ هذا ﴾ أي الذي نراه أو نحوه ﴿ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ أي واضح سحريته على أن ﴿ مُّبِينٌ ﴾ من أبان اللازم.
﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا ﴾ أي وكذبوا بها ﴿ واستيقنتها أَنفُسُهُمْ ﴾ أي علمت علماً يقينياً أنها آيات من عند الله تعالى، والاستيقان أبلغ من الإيقان.
وفي "البحر" أن استفعل هنا بمعنى تفعل كاستكبر بمعنى تكبر، والأبلغ أن تكون الواو للحال والجملة بعدها حالية إما بتقدير قد أو بدونها ﴿ ظُلْماً ﴾ أي للآيات كقوله تعالى :﴿ بِمَا كَانُواْ بآياتنا يَظْلِمُونَ ﴾ [ الأعراف : ٩ ] وقد ظلموا بها أي ظلم حيث حطوها عن رتبتها العالية وسموها سحراً، وقيل : ظلماً لأنفسهم وليس بذاك ﴿ وَعُلُوّاً ﴾ أي ترفعاً واستكباراً عن الإيمان بها كقوله تعالى :﴿ والذين كَذَّبُواْ بآياتنا واستكبروا عَنْهَا ﴾ [ الأعراف : ٣٦ ] وانتصابهما إما على العلية من ﴿ جَحَدُواْ ﴾ وهي على ما قيل باعتبار العاقبة والادعاء كما في قوله :
لدوا للموت وابنوا للخراب...
وأما على الحال من فاعله أي جحدوا بها ظالمين عالين، ورجح الأول بأنه أبلغ وأنسب بقوله تعالى :﴿ فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المفسدين ﴾ أي ما آل إليه فرعون وقومه من الإغراق على الوجه الهائل الذي هو عبرة للظالمين، وإنما لم يذكر تنبيهاً على أنه عرضة لكل ناظر مشهور لدى كل باد وحاضر.


الصفحة التالية
Icon