ولما تشوفت النفس إلى تحقق الأمر تصريحاً، قال معظماً له تمهيداً لما أراد سبحانه إظهاره على يده من المعجزات الباهرات :﴿يا موسى إنه﴾ أي الشأن العظيم الجليل الذي لا يبلغ وصفه ﴿أنا الله﴾ أي البالغ من العظمة ما تقصر عنه الأوهام، وتتضاءل دونه نوافذ الأفهام، ثم أفهمه مما تتضمن ذلك وصفين يدلانه على أفعاله معه فقال :﴿العزيز﴾ أي الذي يصل إلى جميع ما يريد ولا يوصل إلى شيء مما عنده من غير الطريق التي يريد ﴿الحكيم﴾ أي الذي ينقض كل ما يفعله غيره إذا أراد، ولا يقدر غيره أن ينقض شيئاً من فعله.
ولما كان التقدير : فافعل جميع ما آمرك به فإنه لا بد منه، ولا تخف من شيء فإنه لا يوصل إليك بسوء لأنه متقن بقانون الحكمة، محروس بسور العزة، دل عليه بالعطف في قوله :﴿وألق عصاك﴾ أي لتعلم علماً شهودياً عزتي وحكمتي - أو هو معطوف على ﴿أن بورك﴾ - فألقاها كما أمر، فصارت في الحال - بما أذنت به الفاء - حية عظيمة جداً، هي - مع كونها في غاية العظم - في نهاية الخفة والسرعة في اصطرابها عند محاولتها ما يريد ﴿فلما رآها تهتز﴾ أي تضطرب في تحركها مع كونها في غاية الكبر ﴿كأنها جآن﴾ أي حية صغيرة في خفتها وسرعتها، ولا ينافي ذلك كبر جثتها ﴿ولى﴾ أي موسى عليه الصلاة والسلام.
ولما كانت عليه التولية مشتركة بين معان، بين المراد بقوله :﴿مدبراً﴾ أي التفت هارباً منها مسرعاً جداً لقوله :﴿ولم يعقب﴾ أي لم يرجع على عقبه، ولم يتردد في الجد في الهرب، ولم يلتفت إلى ما وراءه بعد توليته، يقال : عقب عليه تعقيباً، أي كر، وعقب في الأمر تعقيباً : تردد في طلبه مجداً - هذا في ترتيب المحكم.
وفي القاموس : التعقيب : الالتفات.
وقال القزاز في ديوانه : عقب - إذا انصرف راجعاً فهو معقب.