وقال ابن الجوزى :
﴿ إِذ قال موسى ﴾ المعنى : اذكر إِذ قال موسى.
قوله تعالى :﴿ بشهاب قَبَس ﴾ قرأ عاصم، وحمزة، والكسائي، ويعقوب إِلاّ زيداً :﴿ بشهابٍ ﴾ بالتنوين.
وقرأ الباقون على الإِضافة غير منوَّن.
قال الزجاج : من نوَّن الشهاب، وجعل القبس من صفة الشهاب، وكل أبيض ذي نور، فهو شهاب.
فأما من أضاف، فقال الفراء : هذا مما يضاف إِلى نفسه إِذا اختلفت الأسماء، كقوله :﴿ وَلدارُ الآخرة ﴾ [ يوسف : ١٠٩ ].
قال ابن قتيبة : الشِّهاب : النار، والقَبَس : النار تُقْبَس، يقال : قَبَسْتُ النار قَبْساً، واسم ما قَبَستَ : قَبَسٌ.
قوله تعالى :﴿ تَصْطَلُونَ ﴾ أي : تستدفئون، وكان الزمان شتاءً.
قوله تعالى :﴿ فلمّا جاءها ﴾ أي : جاء موسى النارَ، وإِنما كان نوراً فاعتقده ناراً، ﴿ نُوديَ أن بُورِكَ مَنْ في النّار ﴾ فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أن المعنى : قُدِّس مَنْ في النّار، وهو الله عز وجل، قاله ابن عباس، والحسن، والمعنى : قُدِّس مَنْ ناداه مِنَ النّار، لا أنّ الله عز وجل يَحُلُّ في شيء.
والثاني : أن "مَنْ" زائدة ؛ والمعنى : بوركتِ النَّارُ، قاله مجاهد.
والثالث : أن المعنى : بُورِك على من في النار، أو فيمن في النار ؛ قال الفراء : والعرب تقول : باركه الله، وبارك عليه، وبارك فيه، بمعنى واحد، والتقدير : بُورِك من في طلب النار، وهو موسى، فحذف المضاف.
وهذه تحيَّة من الله تعالى لموسى بالبركة، كما حيَّا إِبراهيمَ بالبركة على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه، فقالوا :﴿ رحمةُ الله وبركاتُه عليكم أهلَ البيت ﴾ [ هود : ٧٣ ].
فخرج في قوله :﴿ بُورِك ﴾ قولان :
أحدهما : قدِّس.
والثاني : من البَرَكة.
وفي قوله ﴿ ومَنْ حَوْلَها ﴾ ثلاثة أقوال :
أحدها : الملائكة، قاله ابن عباس، والحسن.
والثاني : موسى والملائكة، قاله محمد بن كعب.
والثالث : موسى ؛ فالمعنى : بُورِك فيمن يطلبها وهو قريب منها.