ومعنى قوله :﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صالحا ترضاه﴾ طلب الإعانة في الشكر وفي العمل الصالح، ثم قال :﴿وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصالحين﴾ فلما طلب في الدنيا الإعانة على الخيرات طلب أن يجعل في الآخرة من الصالحين، وقوله :﴿بِرَحْمَتِكَ﴾ يدل على أن دخول الجنة برحمته وفضله لا باستحقاق من جانب العبد واعلم أن سليمان عليه السلام طلب ما يكون وسيلة إلى ثواب الآخرة أولاً ثم طلب ثواب الآخرة ثانياً، أما وسيلة الثواب فهي أمران : أحدهما : شكر النعمة السالفة والثاني : الاشتغال بسائر أنواع الخدمة، أما الاشتغال بشكر النعمة السالفة، فهي قوله تعالى :﴿رَبّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ﴾ ولما كان الإنعام على الآباء إنعاماً على الأبناء لأن انتساب الابن إلى أب شريف نعمة من الله تعالى على الابن، لا جرم اشتغل بشكر نعم الله على الآباء بقوله :﴿وعلى وَالِدَىَّ﴾ وأما الاشتغال بسائر أنواع الخدمة، فقوله :﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صالحا ترضاه﴾ وأما طلب ثواب الآخرة فقوله :﴿وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصالحين﴾ فإن قيل درجات الأنبياء أعظم من درجات الأولياء والصالحين، فما السبب في أن الأنبياء يطلبون جعلهم من الصالحين فقال يوسف :﴿تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بالصالحين﴾ وقال سليمان :﴿أَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصالحين﴾ ؟ جوابه : الصالح الكامل هو الذي لا يعصي الله ولا يهم بمعصية وهذه درجة عالية، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٤ صـ ١٥٩ ـ ١٦٢﴾