فَقَالَ :" لَا تَبْرَحْ حَتَّى تَجِيءَ بِالْمَخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ " فَخَرَجْت، فَوَجَدْت مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، فَجِئْت بِهِ، فَشَهِدَ.
وَكَانَ هَذَا تَثَبُّتًا مِنْ عُمَرَ احْتَجَّ بِهِ لِنَفْسِهِ.
وَأَمَّا الْمُغِيرَةُ فَتَوَقَّفَ فِيمَا قَالَ لِأَجْلِ قِصَّةِ أَبِي بَكْرَةَ، وَهَذَا كُلُّهُ مُبَيَّنٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : لَوْ قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ : سَنَنْظُرُ فِي أَمْرِك
لَاجْتَزَأَ بِهِ، وَلَكِنَّ الْهُدْهُدَ لَمَّا صَرَّحَ لَهُ بِفَخْرِ الْعِلْمِ، ﴿ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ﴾ صَرَّحَ لَهُ سُلَيْمَانُ بِأَنَّهُ سَيَنْظُرُ، أَصَدَقَ أَمْ كَذَبَ فَكَانَ ذَلِكَ كُفُؤًا لِمَا قَالَهُ.
قَوْله تَعَالَى :﴿ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ قَالَتْ يَأَيُّهَا الْمَلَأُ إنِّي أُلْقِيَ إلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ إنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ :﴿ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴾ فِيهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : لِخَتْمِهِ، وَكَرَامَةُ الْكِتَابِ خَتْمُهُ.
الثَّانِي : لِحُسْنِ مَا فِيهِ مِنْ بَلَاغَةٍ وَإِصَابَةِ مَعْنًى.
الثَّالِثُ : كَرَامَةُ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكٌ.
الرَّابِعُ : كَرَامَةُ رَسُولِهِ ؛ لِأَنَّهُ طَائِرٌ ؛ وَمَا عُهِدَتْ الرُّسُلُ مِنْهَا.
الْخَامِسُ : لِأَنَّهُ بَدَأَ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ.
السَّادِسُ : لِأَنَّهُ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا الْجُلَّةُ.