الثاني : اختلفوا في قوله :﴿قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ على وجهين : الأول : أنه أراد المبالغة في السرعة، كما تقول لصاحبك افعل ذلك في لحظة، وهذا قول مجاهد الثاني : أن نجريه على ظاهره، والطرف تحريك الأجفان عند النظر، فإذا فتحت الجفن فقد يتوهم أن نور العين امتد إلى المرئي، وإذا أغمضت الجفن فقد يتوهم أن ذلك النور ارتد إلى العين، فهذا هو المراد من ارتداد الطرف وههنا سؤال : وهو أنه كيف يجوز والمسافة بعيدة أن ينقل العرش في هذا القدر من الزمان، وهذا يقتضي إما القول بالطفرة أو حصول الجسم الواحد دفعة واحدة في مكانين جوابه : أن المهندسين قالوا كرة الشمس مثل كرة الأرض مائة وأربعة وستين مرة، ثم إن زمان طلوعها زمان قصير فإذا قسمنا زمان طلوع تمام القرص على زمان القدر الذي بين الشام واليمن كانت اللمحة كثيرة فلما ثبت عقلاً إمكان وجود هذه الحركة السريعة، وثبت أنه تعالى قادر على كل الممكنات زال السؤال، ثم إنه عليه السلام لما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر والكلام في تفسير الابتلاء قد مر غير مرة، ثم إنه عليه السلام بين أن نفع الشكر عائد إلى الشاكر لا إلى الله تعالى، أما أنه عائد إلى الشاكر فلوجوه : أحدها : أنه يخرج عن عهدة ما وجب عليه من الشكر وثانيها : أنه يستمد به المزيد على ما قال :﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [ إبرهيم : ٧ ]، وثالثها : أن المشتغل بالشكر مشتغل باللذات الحسية وفرق ما بينهما كفرق ما بين المنعم والنعمة في الشرف، ثم قال :﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبّى غَنِىٌّ كَرِيمٌ﴾ غني عن شكره لا يضره كفرانه، كريم لا يقطع عنه نعمه بسبب إعراضه عن الشكر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٤ صـ ١٦٩ ـ ١٧٠﴾


الصفحة التالية
Icon