فصل
قال الفخر :
﴿ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (٤١) ﴾
اعلم أن قوله :﴿نَكّرُواْ﴾ معناه اجعلوا العرش منكراً مغيراً عن شكله كما يتنكر الرجل للناس لئلا يعرفوه، وذلك لأنه لو ترك على ما كان لعرفته لا محالة، وكان لا تدل معرفتها به على ثبات عقلها وإذا غير دلت معرفتها أو توقفها فيه على فضل عقل، ولا يمتنع صحة ما قيل إن سليمان عليه السلام ألقى إليه أن فيها نقصان عقل لكي لا يتزوجها أو لا تحظى عنده على وجه الحسد، فأراد بما ذكرنا اختبار عقلها.
أما قوله :﴿نَنظُرْ﴾ فقرىء بالجزم على الجواب وبالرفع على الاستئناف، واختلفوا في ﴿أَتَهْتَدِى﴾ على وجهين : أحدهما : أتعرف أنه عرشها أم لا ؟ كما قدمنا الثاني : أتعرف به نبوة سليمان أم لا ولذلك قال :﴿أَمْ تَكُونُ مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ﴾ وذلك كالذم ولا يليق إلا بطريقة الدلالة، فكأنه عليه السلام أحب أن تنظر فتعرف به نبوته من حيث صار متنقلاً من المكان البعيد إلى هناك، وذلك يدل على قدرة الله تعالى وعلى صدق سليمان عليه السلام، ويعرف بذلك أيضاً فضل عقلها لأغراض كانت له، فعند ذلك سألها.
أما قوله :﴿أَهَكَذَا عَرْشُكِ﴾ فاعلم أن هكذا ثلاث كلمات، حرف التنبيه وكاف التشبيه واسم الإشارة، ولم يقل أهذا عرشك، ولكن أمثل هذا عرشك لئلا يكون تلقيناً فقالت :﴿كَأَنَّهُ هُوَ﴾ ولم تقل هو هو ولا ليس به وذلك من كمال عقلها حيث توقفت في محل التوقف.