وقال أبو حيان :
ولما فرغ الهدهد من كلامه، وأبدى عذره في غيبته، أخر سليمان أمره إلى أن يتبين له صدقه من كذبه فقال :﴿ سننظر أصدقت ﴾ في أخبارك أم كذبت.
والنظر هنا : التأمل والتصفح، وأصدقت : جملة معلق عنها سننظر، وهي في موضع نصب على إسقاط حرف الجر، لأن نظر، بمعنى التأمل والتفكر، إنما يتعدى بحرف الجر الذي هو في.
وعادل بين الجملتين بأم، ولم يكن التركيب أم كذبت، لأن قوله :﴿ أم كنت من الكاذبين ﴾ أبلغ في نسبة الكذب إليه، لأن كونه من الكاذبين يدل على أنه معروف بالكذب، سابق له هذا الوصف قبل الإخبار بما أخبر به.
وإذا كان قد سبق له الوصف بالكذب، كان متهماً فيما أخبر به، بخلاف من يظن ابتداء كذبه فيما أخبر به.
وفي الكلام حذف تقديره : فأمر بكتابة كتاب إليهم، وبذهاب الهدهد رسولاً إليهم بالكتاب، فقال :﴿ اذهب بكتابي هذا ﴾ : أي الحاضر المكتوب الآن.
﴿ فألقه إليهم ثم تول عنهم ﴾ : أي تنح عنهم إلى مكان قريب، بحيث تسمع ما يصدر منهم وما يرجع به بعضهم إلى بعض من القول.
وفي قوله :﴿ اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ﴾ دليل على إرسال الكتب إلى المشركين من الإمام، يبلغهم الدعوة ويدعوهم إلى الإسلام.
وقد كتب رسول الله ( ﷺ ) إلى كسرى وقيصر وغيرهما ملوك العرب.
وقال وهب : أمره بالتولي حسن أدب ليتنحى حسب ما يتأدّب به الملوك، بمعنى : وكن قريباً بحيث تسمع مراجعاتهم.
وقال ابن زيد : أمره بالتولي بمعنى الرجوع إليه، أي ألقه وارجع.
قال : وقوله :﴿ فانظر ماذا يرجعون ﴾ في معنى التقديم على قوله :﴿ ثم تولى عنهم ﴾. انتهى.
وقاله أبو علي، ولا ضرورة تدعو إلى التقديم والتأخير، بل الظاهر أن النظر معتقب التولي عنهم.
وقرىء في السبعة : فألقه، بكسر الهاء وياء بعدها، وباختلاس الكسرة وبسكون الهاء.


الصفحة التالية
Icon