وروي أنه لم يكتب أحد بسم الله الرحمن الرحيم قبل سليمان، ولما قرأت على الملأ الكتاب، ورأت ما فيه من الانتقال إلى سليمان، استشارتهم في أمرها.
قال قتادة : وكان أولو مشورتها ثلاثمائة واثني عشر، وعنه : وثلاثة عشر، كل رجل منهم على عشرة آلاف، وكانت بأرض مأرب من صنعاء على ثلاثة أيام، وذكر عن عسكرها ما هو أعظم وأكثر من هذا، والله أعلم بذلك.
وتقدم الكلام في الفتوى في سورة يوسف، والمراد هنا : أشيروا عليّ بما عندكم في ما حدث لها من الرأي السديد والتدبير.
وقصدت بإشارتهم : استطلاع آرائهم واستعطافهم وتطييب أنفسهم ليمالئوها ويقوموا.
﴿ ما كنت قاطعة أمراً ﴾ : أي مبرمة وفاصلة أمراً، ﴿ حتى تشهدون ﴾ : أي تحضروا عندي، فلا أستبد بأمر، بل تكونون حاضرين معي.
وفي قراءة عبد الله : ما كنت قاضية أمراً، أي لا أبت إلا وأنتم حاضرون معي.
وما كنت قاطعة أمراً، عام في كل أمر، أي إذا كانت عادتي هذه معكم، فكيف لا أستشيركم في هذه الحادثة الكبرى التي هي الخروج من الملك والانسلاك في طاعة غيري والصيرورة تبعاً؟ فراجعها الملأ بما أقرعينها من قولهم : إنهم ﴿ أولوا ﴾، أي قوة بالعدد والعدد، ﴿ وأولوا بأس شديد ﴾ : أي أصحاب شجاعة ونجدة.
أظهروا القوة العرضية، ثم القوة الذاتية، أي نحن متهيؤون للحرب ودفع هذا الحادث.
ثم قالوا :﴿ والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين ﴾، وذلك من حسن محاورتهم، إذ وكلوا الأمر إليها، وهو دليل على الطاعة المفرطة، أي نحن ذكرنا ما نحن عليه، ومع ذلك فالأمر موكول إليك، كأنهم أشاروا أولاً عليها بالحرب، أو أرادوا : نحن أبناء الحرب لا أبناء الاستشارة، وأنت ذات الرأي والتدبير الحسن.
فانظري ماذا تأمرين به، نرجع إليك ونتبع رأيك، وفانظري من التأمل والتفكر، وماذا هو المفعول الثاني لتأمرين، والمفعول الأول محذوف لفهم المعنى، أي تأمريننا.