﴿ قَالَتْ ﴾ أي بعدَ ما ذهبَ الهدهدُ بالكتابِ فألقاهُ إليهم وتنحَّى عنهم حسبما أُمر به، وإنَّما طُوي ذكرُه إيذاناً بكمالِ مسارعتِه إلى إقامةِ ما أُمر به من الخدمة وإشعاراً باستغنائه عن التَّصريحِ به لغايةِ ظهورِه. روُي أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كتب كتابَه وطبعه بالمسكِ وختَمه بخاتمِه ودفعَه إلى الهدهدِ فوجدَها الهدهدُ راقدةً في قصرِها بمأربَ وكانتْ إذا رقدتْ غلَّقتِ الأبوابِ ووضعتِ المفاتيحَ تحتَ رأسِها فدخلَ من كُوَّةٍ وطرحَ الكتابَ على نحرِها وهي مستلقيةٌ وقيل : نقرَها فانتبهتْ فَزِعةً وقيل أتاها والقادةُ والجنودُ حواليَها فرفرفَ ساعةً والنَّاسُ ينظرونَ حتَّى رفعتْ رأسَها فألقى الكتابَ في حجرِها وكانت قارئةً كاتبةً عربيةً من نسلٍ تُبَّع الحميريِّ كَما مَرَّ فلما رأتِ الخاتمَ ارتعدتْ وخضعتْ، فعندَ ذلكَ قالتْ لأشرافِ قومِها ﴿ قَالَتْ يا أيها الملأ إِنّى أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴾ وصفتْه بالكرمِ لكرمِ مضمونِه أو لكونِه من عندَ ملكٍ كريمٍ أو لكونِه مختوماً أو لغرابةِ شأنِه ووصولِه إليها على منهاجٍ غيرِ معتادٍ.
﴿ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ ﴾ استئنافٌ وقعَ جواباً لسؤالٍ مقدرٍ كأنَّه قيل ممن هُو وماذا مضمونُه فقالتْ إنَّه منْ سُليمان ﴿ وَأَنَّهُ ﴾ أي مضمونُه أو المكتوبُ فيه ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم ﴾ وفيه إشارةٌ إلى سببِ وصفِها ايَّاه بالكرمِ. وقُرىء أنَّه وأنَّه بالفتحِ على حذفِ اللامِ كأنها عللتْ كرمَه بكونِه من سليمانَ وبكونِه مُصدَّراً باسمِ الله تعالى، وقيل : على أنَّه بدلٌ من كتابٌ. وقُرىء أنْ من سُليمان وأنْ بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ، على أنَّ أنْ المفسرةُ.