ولما كان عليه السلام قد زاد قلقه بسجودهم لغير الله، أمره بغاية الإسراع، وكأنه كان أسرع الطير طيراناً وأمده الله زيادة على ذلك بمعونة منه إكراماً لنبيه ـ ﷺ ـ فصار كأنه البرق، فأشار إلى ذلك بالفاء في قوله :﴿فألقه﴾ ولما لم يخصها في الكتاب دونهم بكلام لتصغر إليهم أنفسهم بخطابه مع ما يدلهم على عظمته، جمع فقال :﴿إليهم﴾ أي الذين ذكرت أنهم يعبدون الشمس، وذلك للاهتمام بأمر الدين.
ولما كان لو تأخر عنهم بعد إلقائه إلى موضع يأمن فيه على نفسه على ما هو فيه من السرعة لداخلهم شك في أنه هو الملقى له، أمره بأن يمكث بعد إلقائه يرفرف على رؤوسهم حتى يتحققوا أمره، فأشار سبحانه إلى ذلك بأداة التراخي بقوله، ﴿ثم﴾ أي بعد وصولك وإلقائك ﴿تول﴾ أي تنح ﴿عنهم﴾ إلى مكان تسمع فيه كلامهم ولا يصلون معه إليك ﴿فانظر﴾ عقب توليك ﴿ماذا يرجعون﴾ أي من القول من بعضهم إلى بعض بسبب الكتاب.
ولما كان العلم واقعاً بأنه يفعل ما أمر به لا محالة، وأنه لا يدفعه إلا إلى الملكة التي بالغ في وصفها، تشوفت النفس إلى قولها عند ذلك، فكان كأنه قيل : فأخذ الكتاب وذهب به، فلما ألقاه إليها وقرأته، وكانت قارئة كاتبة من قوم تبع ﴿قالت﴾ لقومها بعد أن جمعتهم معمظمة لهم، أو لأشرافهم فقط :﴿يا أيها الملأ﴾ أي الأشراف.
ولما كان من شأن الملوك أن لا يصل إليهم أحد بكتاب ولا غيره إلا على أيدي جماعتهم، عظمت هذا الكتاب بأنه وصل إليها على غير ذلك المنهاج فبنت للمفعول قولها :﴿إني ألقي إليَّ﴾ أي بإلقاء ملق على وجه غريب ﴿كتاب﴾ أي صحيفة مكتوب فيها كلام وجيز جامع.


الصفحة التالية
Icon