﴿سليمان﴾ فدفع إليه ذلك ﴿قال﴾ أي سليمان عليه السلام للرسول ولمن في خدمته استصغاراً لما معه :﴿أتمدونن﴾ أي أنت ومن معك ومن أرسلك ﴿بمال﴾ وإنما قصدي لكم لأجل الدين، تحقيراً لأمر الدنيا وإعلاماً بأنه لا التفات له نحوها بوجه، ولا يرضيه شيء دون طاعة الله.
ثم سبب عنه ما أوجب له استصغار ما معه فقال :﴿فما آتاني الله﴾ أي الملك الأعظم الذي له جميع الكمال من المال والجلال بالنبوة والملك والقرب منه سبحانه، وهو الذي يغني مطيعه عن كل ما سواه، فمهما سأله أعطاه، وذلك أنه صف الشياطين والإنس والسباع والوحش والطير والهوام صفوفاً فراسخ عدة، وبسط المكان كله بلين الذهب إلى غير ذلك مما يليق به ﴿خير مما آتاكم﴾ أي من الملك الذي لا نبوة فيه، ولا تأييد من الله.
ولما كان التقدير : ولكنكم لا تعلمون أن هديتكم مما يزهد فيه لتقيدكم بظاهر من الحياة الدنيا، نسق عليه قوله :﴿بل أنتم﴾ أي بجهلكم لذلك تستعظمون ما أنتم فيه، فأنتم ﴿بهديتكم تفرحون﴾ بتجويزكم أن الدنيا تردني عنكم لأنها غاية قصدي، ويجوز أن يراد أنكم تفرحون بما يهدي إليكم فتتركون من كنتم تريدون غزوه لأجل ما آتاكم منه من الدنيا، فحالي خلاف حالكم، فإنه لا يرضيني إلا الدين.
ثم أفرد الرسول إرادة لكبيرهم بقوله :﴿ارجع﴾ وجمع في قوله :﴿إليهم﴾ إكراماً لنفسه، وصيانه لاسمها عن التصريح بضميرها، وتعميماً لكل من يهتم بأمرها ويطيعها ﴿فلنأتينهم بجنود لا قبل﴾ أي طاقة ﴿لهم بها﴾ أي بمقابلتها لمقاومتها وقلبها عن قصدها، أي لا يقدرون أن يقابلوها ﴿ولنخرجنهم منها﴾ أي من بلادهم ﴿أذلة ﴾.
ولما كان الذل قد يكون لمجرد الانقياد، لا على سبيل الهوان، حقق المراد بقوله :﴿وهم صاغرون﴾ أي لا يملكون شيئاً من المنعة إن لم يقروا بالإسلام. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٤٢٤ ـ ٤٢٦﴾


الصفحة التالية
Icon