فصل


قال الفخر :
﴿ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾
اعلم أنها لما عرضت الواقعة على أكابر قومها وقالوا ما تقدم أظهرت رأيها، وهو أن الملوك إذا دخلوا قرية بالقهر أفسدوها، أي خربوها وأذلوا أعزتها، فذكرت لهم عاقبة الحرب.
وأما قوله :﴿وكذلك يَفْعَلُونَ﴾ فقد اختلفوا أهو من كلامها أو من كلام الله تعالى كالتصويب لها والأقرب أنه من كلامها، وأنها ذكرته تأكيداً لما وصفته من حال الملوك.
فأما الكلام في صفة الهدية فالناس أكثروا فيها لكن لا ذكر لها في الكتاب وقولها :﴿فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المرسلون﴾ فيه دلالة على أنها لم تثق بالقبول وجوزت الرد، وأرادت بذلك أن ينكشف لها غرض سليمان، ولما وصلت الهدايا إلى سليمان عليه السلام ذكر أمرين : الأول : قوله :﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ﴾ فأظهر بهذا الكلام قلة الاكتراث بذلك المال.
أما قوله :﴿بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾ ففيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن الهدية اسم للمهدي، كما أن العطية اسم للمعطي، فتضاف إلى المهدي وإلى المهدى إليه، والمضاف إليه ههنا هو المهدى إليه، والمعنى أن الله تعالى آتاني الدين الذي هو السعادة القصوى، وآتاني من الدنيا ما لا مزيد عليه، فكيف يستمال مثلي بمثل هذه الهدية، بل أنتم تفرحون بما يهدى إليكم، لكن حالي خلاف حالكم وثانيها : بل أنتم بهديتكم هذه التي أهديتموها تفرحون من حيث إنكم قدرتم على إهداء مثلها وثالثها : كأنه قال : بل أنتم من حقكم أن تأخذوا هديتكم وتفرحوا بها الثاني : قوله :﴿ارجع إِلَيْهِمْ﴾ فقيل ارجع خطاب للرسول، وقيل للهدهد محملاً كتاباً آخر.
أما قوله تعالى :﴿لاَّ قِبَلَ﴾ أي لا طاقة، وحقيقة القبل المقاومة والمقابلة، أي لا يقدرون أن يقابلوهم.


الصفحة التالية
Icon