وهذا إنما يَتجه على قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي " يعبدون" بالياء من أسفل.
وقال الفرّاء والزجاج وجماعة : المعنى أخذنا ميثاقهم بألا يعبدوا إلا الله، وبأن يحسنوا للوالدين، وبألا يَسفكوا الدماء ؛ ثم حذفت أنْ والباء فارتفع الفعل لزوالهما، كقوله تعالى :﴿ أَفَغَيْرَ الله تأمروني ﴾.
قال المبرّد : هذا خطأ ؛ لأن كل ما اضمر في العربية فهو يعمل عمله مظهراً ؛ تقول : وبلدٍ قطعت ؛ أي رُبّ بلد.
قلت : ليس هذا بخطأ، بل هما وجهان صحيحان، وعليهما أنشد سيبويه :
ألاَ أيُّها ذا الزّاجرِي أحْضرَ الْوَغَى...
وأنْ أشهدَ اللّذاتِ هل أنت مُخْلِدِي
بالنصب والرفع ؛ فالنصب على إضمار أن، والرفع على حذفها. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٢ صـ ١٣﴾
فصل
قال الفخر :
هذا الميثاق يدل على تمام ما لا بد منه في الدين لأنه تعالى لما أمر بعبادة الله تعالى ونهى عن عبادة غيره، ولا شك أن الأمر بعبادته والنهي عن عبادة غيره مسبوق بالعلم بذاته سبحانه، وجميع ما يجب ويجوز ويستحيل عليه وبالعلم بوحدانيته وبراءته عن الأضداد والأنداد والبراءة عن الصاحبة والأولاد، ومسبوق أيضاً بالعلم بكيفية تلك العبادة التي لا سبيل إلى معرفتها إلا بالوحي والرسالة، فقوله :﴿لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله﴾ يتضمن كل ما اشتمل عليه علم الكلام وعلم الفقه والأحكام لأن العبادة لا تتأتى إلا معها. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٣ صـ ١٥٠﴾
قال القرطبى :
واختلف في الميثاق هنا ؛ فقال مَكي : هو الميثاق الذي أُخذ عليهم حين أخرجوا من صلب آدم كالذرّ.
وقيل : هو ميثاق أخذ عليهم وهم عقلاء في حياتهم على ألسنة أنبيائهم وهو قوله :﴿ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله ﴾ وعبادةُ الله إثبات توحيدِه، وتصديقُ رُسُلِه، والعملُ بما أنزل في كتبه. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٢ صـ ١٢﴾
قوله تعالى ﴿وبالوالدين إحسانا﴾
فائدة
قال الفخر :
إنما أردف عبادة الله بالإحسان إلى الوالدين لوجوه.