وجاءت الجملة الحالية اسمية مصدرة بأنتم، لأنها آكد.
وكان الخبر اسماً، لأنه أدل على الثبوت، فكأنه قيل : وأنتم عادتكم الإعراض عن الحق والتولية عنه.
وفي المواجهة بأنتم تقبيح لفعلهم وكونهم ارتكبوا ذلك الفعل القبيح الذي من شأنه أن لا يقع، كقولك : يحسن إليك زيد وأنت مسيء إليه، فكان المعنى : أن من واثقه الله وأخذ عليه العهد في أشياء بها انتظام دينه ودنياه، جدير أن يثبت على العهد، وأن لا ينقضه، ولا يعرض عنه.
وقيل : التولي والإعراض مأخوذ من سلوك الطريق، ومن ترك سلوك الطريق فله حالتان : إحداهما : أن يرجع عوده على بدئه، وذلك هو التولي، والثانية : أن يأخذ في عرض الطريق، وذلك هو الإعراض.
وعلى هذا التفسير في التولي والإعراض لا يكون في الآية دليل على الاختلاف، إلا إن قصد أن ناساً تولوا وناساً أعرضوا، وجمع ذلك لهم، أو يتولون في وقت، ويعرضون في وقت.
وقال القشيري : التعبد بهذه الخصال حاصل لنا في شرعنا، وأولها التوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة والطاعة، ثم ردّك إلى مراعاة حق مثلك، إظهاراً أن من لا يصلح لصحبة شخص مثله، كيف يقوم بحق معبود ليس كمثله شيء ؟ فإذا كانت التربية المتضمنة حقوق الوالدين توجب عظيم هذا الحق، فما حق تربية سيدك لك ؟ كيف تؤدي شكره ؟ ثم ذكر عموم رحمته لذي القربى، واليتامى والمساكين، وأن يقول للناس حسناً.
وحقيقة العبودية الصدق مع الحق، والرفق مع الخلق.
انتهى، وبعضه مختصر.
وقال بعض أهل الإشارات : الأسباب المتقرّب بها إلى الله تعالى : اعتقاد وقول وعمل ونية.
فنبه بقوله :﴿ لا تعبدون إلا الله ﴾، على مقام التوحيد، واعتقاد ما يجب له على عباده من الطاعات والخضوع منفرداً بذلك، ومالية محضة وهي : الزكاة، وبدنية محضة وهي : الصلاة، وبدنية ومالية وهو : برّ الوالدين والإحسان إلى اليتيم والمسكين. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ١ صـ ٤٥٥ ـ ٤٥٧﴾
لطيفة
قال فى البحر المديد :
ذكر الحق تعالى في هذا العهد أربعة أعمال : عمل خاص بالقلب، وهو التوحيد، وعمل خاص بالبدن، وهو الصلاة، وعمل خاص بالمال، وهو الزكاة، وعمل عام وهو الإحسان، ورتَّبها باعتبار الأهم فالأهم، فقدّم الوالدين لتأكيد حقهما الأعظم، ثم القرابة لأن فيهم أجر الإحسان وصلة الرحم، ثم اليتامى لقلّة حيلتهم، ثم المساكين لضعفهم، والله تعالى أعلم. أ هـ ﴿البحر المديد حـ ١ صـ ١٢٧﴾


الصفحة التالية
Icon