ومن فوائد العلامة النيسابورى فى الآية
قال رحمه الله :
إنه سبحانه كلفهم بأشياء : الأوّل : قوله ﴿ لا تعبدون إلا الله ﴾ من قرأ بياء الغيبة فلأنهم غيب، ومن قرأ بتاء الخطاب فلحكاية ما خوطبوا به، وفي إعرابه أقوال : أحدها : أنه إخبار في معنى النهي كقولك " تذهب إلى فلان " تريد الأمر وهو أبلغ من صريح الأمر والنهي كأنه سورع إلى الامتثال فهو يخبر عنه. ويؤيد هذا القول عطف ﴿ وقولوا ﴾ ﴿ وأقيموا ﴾ عليه. وثانيها : التقدير أن لا تعبدوا فلما حذفت " أن " رفعت كقوله " ألا أبهذا الزاجري أحضر الوغى " ويحتمل أن تكون " أن " مفسرة وأن تكون مع الفعل بدلاً من الميثاق كأنه قيل : أخذنا ميثاق بني إسرائيل توحيدهم. وثالثها : هو جواب قوله ﴿ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ﴾ إجراء له مجرى القسم كأنه قيل : وإذ أقسمنا عليهم لا تعبدون. وهذا التكليف بالحقيقة يتضمن جميع ما لا بد منه في الدين، لأن الأمر بعبادته والنهي عن عبادة غيره مسبوق بالعلم بذاته سبحانه وبجميع ما يجب له ويستحيل عليه، ومسبوق أيضاً بالعلم بكيفية تلك العبادة التي لا سبيل إلى معرفتها إلا بالوحي والرسالة.
التكليف الثاني : قوله :﴿ وبالوالدين إحساناً ﴾ معناه يحسنون بالوالدين إحساناً ليناسب ﴿ لا تعبدون ﴾ أو أحسنوا ليناسب ﴿ وقولوا ﴾ ويمكن أن يقدر " وصيناهم " عطفاً على ﴿ أخذنا ﴾ وهذا أنسب لمكان الباء، ولا بد من تقدير القول إما قبل ﴿ لا تعبدوا ﴾ وإما قبل ﴿ أحسنوا ﴾ وإما قبل ﴿ قولوا ﴾ وإنما جعل الإحسان إلى الوالدين تالياً لعبادة الله لوجوه منها : أنهما سبب وجود الولد كما أنهما سبب التربية، وغير الوالدين قد يكون سبب التربية فقط فلا إنعام بعد إنعام الله تعالى أعظم من إنعام الوالدين.