التكليف السابع والثامن : قوله ﴿ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ﴾ وقد تقدم تفسيرهما. ولا شك في وجوب هذه التكاليف عليهم بدليل : أخذ الميثاق، ولأن ظاهر الأمر للوجوب ولترتب الذم عليه بتوليهم، وهذه التكاليف أيضاً واجبة في شرعنا. وعن ابن عباس : أن الزكاة نسخت كل حق. وضعف بأن إغاثة المضطر واجبة وإن لم تجب علينا الزكاة. واعلم أن التكليف إما بدني أو مالي وكل منهما إما عام أو خاص. فالبدني العام هو العبادة المطلقة، وهي أن يكون بكل الجوارح والقوى منقاداً مطيعاً مؤتمراً لأمر الله تعالى، بحيث لا يرى لنفسه شيئاً من التصرف والاختيار كالعبد الماثل بين يدي مولاه وإليه الإشارة بقوله تعالى ﴿ لا تعبدون إلا الله ﴾. والبدني الخاص هو الصلاة وأشار إليه بقوله ﴿ وأقيموا الصلاة ﴾ فللصلاة أوقات مخصوصة وأركان وشروط معدودة. والمالي الخاص هو الزكاة لتخصصها بالأصناف الزكوية وبالنصاب وبالحول وغير ذلك. والمالي العام لكونه منوطاً بالقدرة. والإمكان سببه إما نسب أولاً، والنسب إما سابق أو مقارن أو لاحق. فالسابق الوالدان، والمقارن الأقارب، واللاحق اليتامى، لأنهم أولاد.
وذلك إذا كان الولي جداً أو بمنزلة الأولاد، وذلك إذا كان الولي غيره. وغير النسب إما الاحتياج والفقر وهو المساكين، أو الاشتراك في النوع، ولا يمكن إلا بالقول الحسن، وما ينخرط في سلكه من مكارم الأخلاق الفعلية " إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن سعوهم بأخلاقكم " فالقول الحسن يشمل الأصناف المتقدمة أيضاً بهذا الاعتبار، وحين هذا الترتيب مما لا مزيد عليه، وقد كرر أكثر هذه المعاني في سورة النساء بضرب من التأكيد، فأكد العبادة بقوله ﴿ ولا تشركوا به شيئاً ﴾ [ النساء : ٣٦ ] وأكد الإحسان إلى ذي القربى. وما يتلوه بتكرير الجار وهو الباء وبضم أصناف أخر وهم الجار وغيره إليهم فكأنه كالتفصيل لقوله ﴿ وقولوا للناس حسناً ﴾.