على أن الله أمر بالإحسان الفعلي حيث يتعين ويدخل تحت قدرة المأمور وذلك الإحسان للوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين وإيتاء الزكاة، وأمر بالإحسان القولي إذا تعذر الفعلي على حد قول أبي الطيب :
فليسعد النطق إن لم تسعدالحال...
وقوله :﴿ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ﴾ أطلقت الزكاة فيه على الصدقة مطلقاً أو على الصدقة الواجبة على الأموال : وليس المراد الكناية عن شريعة الإسلام لما علمت من أن هاته المعاطيق تابعة لبيان الميثاق وهو عهد موسى عليه السلام.
وقوله :﴿ ثم توليتم إلا قليلاً منكم ﴾ خطاب للحاضرين وليس بالتفات كما علمت آنفاً.
والمعنى أخذنا ميثاق الأمة الإسرائيلية على التوحيد وأصول الإحسان فكنتم ممن تولى عن ذلك وعصيتم شرعاً اتبعتموه.
والتولي الإعراض وإبطال ما التزموه، وحذف متعلقه لدلالة ما تقدم عليه، أي توليتم عن جميع ما أخذ علكيم الميثاق به أي أشركتم بالله وعبدتم الأصنام وعققتم الوالدين وأسأتم لذوي القربى واليتامى والمساكين وقلتم للناس أفحش القول وتركتم الصلاة ومنعتم الزكاة.
ويجوز أن يكون المراد بالخطاب في ﴿ توليتم ﴾ المخاطبين زمن نزول الآية، وبعض من تقدمهم من متوسط عصور الإسرائيليين فيكون ضمير الخطاب تغليباً، نكتته إظهار براءة الذين أخذ عليهم العهد أولاً من نكثه وهو من الإخبار بالجمع والمراد التوزيع أي توليتم فمنكم من لم يحسن للوالدين وذي القربى إلخ وهذا من صفات اليهود في عصر نزول الآية كما سيأتي في تفسير الآية التي بعدها، ومنكم من أشرك بالله وهذا لم ينقل عن يهود زمن النزول وإنما هومن صفات من تقدمهم من بعد سليمان فقد كانت من ملوك إسرائيل عبدة أصنام وتكرر ذلك فيهم مراراً كما هو مسطور في سفري الملوك الأول والثاني من التوراة.
و( ثم ) للترتيبين الترتبي والخارجي.
وقوله :﴿ إلا قليلاً منكم ﴾ إنصاف لهم في توبيخهم ومذمتهم وإعلان بفضل من حافظ على العهد.