ولما أمرهم بما إن امتثلوه اجتمعت كلمتهم ذكر أعظم جامع على الله من الأعمال فقال :﴿وأقيموا الصلاة﴾ ثم ذكر ما به تمام الجمع ودوامه فقال :﴿وآتوا الزكاة﴾ ولما كان الإعراض عن هذه المحاسن في غاية البعد فكيف إذا كانت بعهد فكيف إذا كان من الله أشار إلى ذلك بأداة التراخي فقال :﴿ثم توليتم﴾ أي عن ذلك أو عن كثير منه، وأشار بصيغة التفعل إلى أن الأمور الدينية لحسنها لا يعرض عنها إلا بعلاج بين الفطرة الأولى والأمارة ﴿إلا قليلاً منكم وأنتم﴾ أي والحال أنكم ﴿معرضون﴾ عادتكم ذلك، لم يكن ذلك منكم عن غير علم، والإعراض صرف الشيء إلى العُرض التي هي الناحية.
قال السمين : وروى عن أبي عمرو وغيره : إلا قليل - بالرفع، وفيه أقوال، أصحها رفعه على الصفة بتأويل إلا وما بعدها بمعنى غير - انتهى.
ويأتي إن شاء الله تعالى بسط هذا الإعراب عند قوله :﴿فشربوا منه إلا قليلاً منهم﴾ [ البقرة : ٢٤٩ ] ذكر ما يشهد لذلك من التوراة، قال في السفر الثاني منها لما ذكر أمر المناجاة وحضورهم عند الجبل وقال الله جميع هذه الآيات كلها : أنا الرب إلهك الذي أصعدتك من أرض مصر من العبودية والرق، لا تكون لك آلهة غيري، لا تعملن شيئاً من الأصنام والتماثيل التي مما في السماء فوق وفي الأرض من تحت ومما في الماء أسفل الأرض، لا تسجدن لها ولا تعبدنها، لأني أنا الرب، إلهك إله غيور، أجازي الأبناء بذنوب الآباء إلى ثلاثة أحقاب وأربعة من أعدائي، وأثبت النعمة إلى ألف حقب لأحبائي وحافظي وصاياي، لا تقسم بالرب إلهك كذباً، لأن الرب لا يزكي من حلف باسمه كذباً.
أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض التي يعطيكها الرب إلهك، لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد على صاحبك شهادة زور، لا تتمن بنت صاحبك، ولا تشتهين امرأة صاحبك ولا كل شيء لصاحبك - وكان جميع الشعب يسمعون الأصوات ويرون المصابيح.


الصفحة التالية
Icon