وتماديه على قبيح فعله، فقال مقدماً للجار :﴿منها عمون﴾ أي ابتدأ عماهم البالغ الثابت من اضطرابهم في أمرها، فضلوا فأعماهم ضلالهم عن جميع ما ينفعهم، فصاروا لا ينتفعون بعقولهم، بل انعكس نفعها ضراً، وخيرها شراً، ونسب ما ذكر لجميع من في السماوات والأرض، لأن فعل البعض قد يسند إلى الكل لغرض، وهو هنا التنبيه على عظمة هذا الأمر، وتناهي وصفه، وأنه يجب على الكل الاعتناء به، والوقوف على حقه، والتناهي عن باطله، أو لشك البعض وسكوت الباقي لقصد تهويله، أو أن إدراك العلم من حيث التهويل بقيام الأدلة التي هي أوضح من الشمس، فهم بها في قوة من أدرك علمه بالشيء، وهو معرض عنه، فقد فوّت على نفسه من الخير ما لا يدري كنهه، ثم نزل درجة أخرى بالشك ثم أهلكها بالكلية، وأنزلها العمى عن رتبة البهائم التي لا همّ لها إلا لذة البطن والفرج، وهذا كمن يسمع باختلاف المذاهب وتضليل بعضهم لبعض فيضلل بعضهم من غير نظر في قوله فيصير خابطاً خبط عشواء، ويكون أمره على خصمه هيناً أو الشك لأجل أن أعمالهم أعمال الشاك، أو أنهم لعدم علم الوقت بعينة كأنهم في شك بل عمى، ولأن العقول والعلوم لا تستقل بإدراك شيء من أمرها، وإنما يؤخذ ذلك عن الله بواسطة رسله من الملك والبشر.
ومن أخذ شيئاً من علمها عن غيرهم ضل. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٤٣٩ ـ ٤٤٦﴾


الصفحة التالية
Icon