المنفعة الثانية الأرض : قوله :﴿وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَاراً﴾ فاعلم أن أقسام المياه المنبعثة عن الأرض أربعة : الأول : ماء العيون السيالة وهي تنبعث من أبخرة كثيرة المادة قوية الاندفاع تفجر الأرض بقوة، ثم لا يزال يستتبع جزء منها جزءاً الثاني : ماء العيون الراكدة وهي تحدث من أبخرة بلغت من قوتها أن اندفعت إلى وجه الأرض ولم تبلغ من قوتها وكثرة مادتها أن يطرد تاليها سابقها الثالث : مياه القنى والأنهار وهي متولدة من أبخرة ناقصة القوة على أن تشق الأرض، فإذا أزيل عن وجهها ثقل التراب صادفت حينئذ تلك الأبخرة منفذاً تندفع إليه بأدنى حركة الرابع : مياه الآبار وهي نبعية كمياه الأنهار إلا أنه لم يجعل له سيل إلى موضع يسيل إليه ونسبة القنى إلى الآبار نسبة العيون الراكدة فقد ظهر أنه لولا صلابة الأرض لما اجتمعت تلك الأبخرة في باطنها إذ لولا اجتماعها في باطنها لما حدثت هذه العيون في ظاهرها.
المنفعة الثالثة للأرض : قوله :﴿وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ﴾ والمراد منها الجبال، فنقول أكثر العيون والسحب والمعدنيات إنما تكون في الجبال أو فيما يقرب منها، أما العيون فلأن الأرض إذا كانت رخوة نشفت الأبخرة عنها فلا يجتمع منها قدر يعتد به، فإذن هذه الأبخرة لا تجتمع إلا في الأرض الصلبة والجبال أصلب الأرض، فلا جرم كانت أقواها على حبس هذا البخار حتى يجتمع ما يصلح أن يكون مادة للعيون ويشبه أن يكون مستقر الجبل مملوءاً ماء، ويكون الجبل في حقنه الأبخرة مثل الأنبيق الصلب المعد للتقطير لا يدع شيئاً من البخار يتحلل ونفس الأرض التي تحته كالقرعة والعيون كالأذناب والبخار كالقوابل، ولذلك فإن أكثر العيون إنما تنفجر من الجبال وأقلها في البراري، وذلك الأقل لا يكون إلا إذا كانت الأرض صلبة.


الصفحة التالية
Icon