المنفعة الرابعة للأرض : قوله :﴿وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين حَاجِزاً﴾ فالمقصود منه أن لا يفسد العذب بالاختلاط، وأيضاً فلينتفع بذلك الحاجز، وأيضاً المؤمن في قلبه بحران بحر الإيمان والحكمة وبحر الطغيان والشهوة وهو بتوفيقه جعل بينهما حاجزاً لكي لا يفسد أحدهما بالآخر، وقال بعض الحكماء في قوله :﴿مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ﴾ [ الرحمن : ١٩، ٢٠ ] قال عند عدم البغي ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ﴾ [ الرحمن : ٢٢ ] فعند عدم البغي في القلب يخرج الدين والإيمان بالشكر، فإن قيل ولم جعل البحر ملحاً ؟ قلنا لولا ملوحته لأجن وانتشر فساد أجونته في الأرض وأحدث الوباء العام، واعلم أن اختصاص البحر بجانب من الأرض دون جانب أمر غير واجب بل الحق أن البحر ينتقل في مدد لا تضبطها التواريخ المنقولة من قرن إلى قرن لأن استمداد البحر في الأكثر من الأنهار، والأنهار تستمد في الأكثر من العيون، وأما مياه السماء فإن حدوثها في فصل بعينه دون فصل، ثم لا العيون ولا مياه السماء يجب أن تتشابه أحوالها في بقاع واحدة بأعيانها تشابهاً مستمراً فإن كثيراً من العيون يغور، وكثيراً ما تقحط السماء فلا بد حينئذ من نضوب الأودية والأنهار فيعرض بسبب ذلك نضوب البحار، وإذا حدثت العيون من جانب آخر حدثت الأنهار هناك فحصلت البحار من ذلك الجانب، ثم إنه سبحانه لما بين أنه هو المختص بالقدرة على خلق الأرض التي فيها هذه المنافع الجليلة وجب أن يكون هو المختص بالإلهية، ونبه بقوله تعالى :﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ على عظم جهلهم بالذهاب عن هذا التفكر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٤ صـ ١٧٦ ـ ١٧٩﴾