في وجوده وقدرته واختياره لفعل المتباينات في الطعم واللون والريح والطبع والشكل بماء واحد في أرض واحدة واختصاصه بفعل ذلك من غير مشاركة شيء له شيء منه أصلاً، وهو آيته العظمى على أمر البعث، عدل إلى التكلم وعلى وجه العظمة فقال :﴿فأنبتنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿به حدائق﴾ أي بساتين محدقة - أي محيطة - بها أشجارها وجدرانها، والظاهر أن المراد كل ما كان هكذا، فإنه في قوة أن يدار عليه الجدار وإن لم يكن له جدار، وعن الفراء أن البستان إن لم يكن عليه حائط فليس بحديقة.
ولما كان الأولى بجمع الكثرة لما لا يعقل الوصف بالمفرد قال مفيداً أنها كالشيء الواحد في ذلك الوصف :﴿ذات بهجة﴾ أي بهاء وحسن ورونق، وبشر بها وسرور على تقارب أصولها مع اختلاف أنواعها، وتباين طعومها وأشكالها، ومقاديرها وألوانها.
ولما أثبت الإنبات له، نفاه عن غيره على وجه التأكيد تنبيهاً على تأكد اختصاصه بفعله، وعلى أنه إن أسند إلى غيره فهو مجاز عن التسبب وأن الحقيقة ليست إلا له فقال :﴿ما كان﴾ أي ما صح وما تصور بوجه من الوجوه ﴿لكم﴾ وأنتم أحياء فضلاً عن شركائكم الذين هم أموات بل موات ﴿أن تنبتوا شجرها﴾ أي شجر تلك الحدائق.
ولما ثبت أنه المتفرد بالألوهية، حسن موقع الإنكار والتقرير في قوله :﴿أإله﴾ أي كائن ﴿مع الله﴾ أي الملك الأعلى الذي لا مثل له.
ولما كان الجواب عند كل عاقل : لا وعزته! قال معرضاً عنهم للإيذان بالغضب :﴿بل هم﴾ أي في دعائهم معه سبحانه شريكاً ﴿قوم يعدلون﴾ أي عن الحق الذي لا مرية فيه إلى غيره، مع العلم بالحق، فيعدلون بالله غيره.