وفي هذا التقليب دليل على القلب من حياة إلى موت، ومن موت إلى حياة أخرى، وفيه دليل أيضاً على النبوة، لأن هذا التقليب هو لمنافع المكلفين، ولهذا علل ذلك الجعل بقوله :﴿ لتسكنوا فيه ﴾
وبعثة الأنبياء لتحصيل منافع الخلق ؛ وأضاف الإبصار إلى النهار على سبيل المجاز، لما كان يقع فيه أضافه إليه، كما تقول : ليلك نائم، وعلل جعل الليل بقوله :﴿ لتسكنوا فيه ﴾، أي لأن يقع سكونهم فيه مما يلحقهم من التعب في النهار واستراحة نفوسهم.
قال بعض الرجاز :
النوم راحة القوى الحسية...
من حركات والقوى النفسية
ولم يقع التقابل في جعل النهار بالنص على علته، فيكون التركيب : والنهار لتبصروا فيه، بل أتى بقوله :﴿ مبصراً ﴾، قيداً في جعل النهار، لا علة للجعل.
فقال الزمخشري : هو مراعى من حيث المعنى، وهكذا النظم المطبوع غير المتكلف، لأن معنى مبصراً : لتبصروا فيه طريق التقلب في المكاسب. انتهى.
والذي يظهر أن هذا من باب ما حذف من أوله ما أثبت في مقابله، وحذف من آخره ما أثبت في أوله، فالتقدير : جعلنا الليل مظلماً لتسكنوا فيه، والنهار مبصراً لتتصرفوا فيه ؛ فالإظلام ينشأ عنه السكون، والإبصار ينشأ عنه التصرف في المصالح، ويدل عليه قوله تعالى :﴿ وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ﴾ فالسكون علة لجعل الليل مظلماً، والتصرف علة لجعل النهار مبصراً وتقدم لنا : الكلام على نظير هذين الحذفين مشبعاً في البقرة في قوله :﴿ ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق ﴾ ﴿ إن في ذلك ﴾ : أي في هذا الجعل، ﴿ لآيات لقوم يؤمنون ﴾ : لما كان لا ينتفع بالفكر في هذه الآيات إلا المؤمنون، خصوا بالذكر، وإن كانت آيات لهم ولغيرهم. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٧ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon