ولما كانوا ربما قالوا : ونحن نعبده بعبادة من نرجوه يقربنا إليه زلفى، عين الدين الذي تكون به العبادة فقال :﴿وأمرت﴾ أي مع الأمر بالعبادة له وحده، وعظم المفعول المأمور به بجعله عمدة الكلام بوضعه موضع الفاعل فقال :﴿أن أكون﴾ أي كوناً هو في غاية الرسوخ ﴿من المسلمين﴾ أي المنقادين لجميع ما يأمر به كتابه أتم انقياد، ثابتاً على ذلك غاية الثبات.
ولما بين ما أمر به في نفسه، أتبعه ما تعم فائدته غيره فقال :﴿وأن أتلو القرآن﴾ أي أواظب على تلاوته وتلوه - أي اتباعه - عبادة لربي، وإبلاغاً للناس ما أرسلت به إليهم مما لا يلم به ريب في أنه من عنده، ولأكون مستحضراً لأوامره فأعمل بها، ولنواهيه فأجتنبها، وليرجع الناس إيه ويعولوا في كل أمر عليه.
لأنه جامع لكل علم.
ولما تسبب عن ذلك أن من انقاد له نجى نفسه، ومن استعصى عليه أهلكها، قال له ربه سبحانه مسلياً ومؤسياً ومرغباً ومرهباً :﴿فمن اهتدى﴾ أي باتباع هذا القرآن الداعي إلى الجنان ﴿فإنما يهتدي لنفسه﴾ لأنه يحييها بحوزة الثواب، ونجاته من العقاب، فإنما أنا من المبشرين، أبشره أنه من الناجين ﴿ومن ضل﴾ أي عن الطريق التي نهج وبينها من غير ميل ولا عوج ﴿فقل﴾ له كما تقول لغيره :﴿إنما أنا من المنذرين﴾ أي المخوفين له عواقب صنعه، وإنما فسره ورده فلم أومر به الآن ﴿وقل﴾ أي إنذاراً لهم وترغيباً وترجية وترهيباً :﴿الحمد﴾ أي الإحاطة بأوصاف الكمال ﴿لله﴾ أي الذي له العظمة كلها سواء اهتدى الكل وضل الكل، أو انقسموا إلى مهتد وضال، لأنه لا يخرج شيء عن مراده.


الصفحة التالية
Icon