السؤال الثاني : الحسنة لفظة مفردة معرفة، وقد ثبت أنها لا تفيد العموم بل يكفي في تحققها حصول فرد، وإذا كان كذلك فلنحملها على أكمل الحسنات شأناً وأعلاها درجة وهو الإيمان، فلهذا قال ابن عباس من أفراد الحسنة كلمة الشهادة، وهذا يوجب القطع بأن لا يعاقب أهل الإيمان وجوابه : ذلك الخير هو أن لا يكون عقابه مخلداً الأمر الثاني : للمطيع هو أنهم آمنون من كل فزع، لا كما قال بعضهم إن أهوال القيامة تعم المؤمن والكافر، فإن قيل أليس أنه تعالى قال في أول الآية :﴿فَفَزِعَ مَن فِى السموات وَمَن فِى الأرض﴾ [ النمل : ٨٧ ] فكيف نفى الفزع ههنا ؟ جوابه : أن الفزع الأول هو ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس لشدة تقع وهو يفجأ من رعب وهيبة وإن كان المحسن يأمن وصول ذلك الضرر إليه كما قيل، يدخل الرجل بصدر هياب وقلب وجاب، وإن كانت ساعة إعزاز وتكرمة، وأما الثاني فالخوف من العذاب.
أما قراءة من قرأ من فزع بالتنوين فهي تحتمل معنيين من فزع واحد وهو خوف العقاب، وأما ما يلحق الإنسان من الهيبة والرعب عند مشاهدة الأهوال فلا ينفك منه أحد، وفي الأخبار ما يدل عليه، ومن فزع شديد مفرط الشدة لا يكتنهه الوصف، وهو خوف النار وأمن يعدي بالجار وبنفسه كقوله تعالى :﴿أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله﴾ [ الأعراف : ٩٩ ] فهذا شرح حال المطيعين، أما شرح حال العصاة فهو قوله :﴿وَمَن جَاء بالسيئة﴾ قيل السيئة الإشراك وقوله :﴿فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى النار﴾ فاعلم أنه يعبر عن الجملة بالوجه والرأس والرقبة فكأنه قيل فكبوا في النار كقوله :﴿فَكُبْكِبُواْ﴾ [ الشعراء : ٩٤ ] ويجوز أن يكون ذكر الوجوه إيذاناً بأنهم يلقون على وجوههم فيها ( مكبوبين ).
أما قوله :﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فيجوز فيه الالتفات، وحكاية ما يقال لهم عند الكب بإضمار القول. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٤ صـ ١٨٨ ـ ١٩٠﴾